وتلك «الثقافة» التي تتفنن في القتل والتقطيع والتمثيل بالجثث؟.. من أين هذا التوحش الذي يبدو غريباً .. بعيداً.. لا نعرفه ولا ندركه.. ولا نقبل التعايش معه؟!..
ويزداد السؤال مرارة كلما أمعنت تلك الممارسات وتفشّت في غير مكان تاركة وراءها رائحة الكراهية البغيضة، وهي ترسم مشاهد التوحش بكل ما في الكلمة من معنى..
مرارة لم يكن بمقدور السوريين تجاهلها.. وهي تعلن تلك الغربة من جذورها.. والغرابة في تتبع أثرها لإدراك أبعاد ما تخفيه خلفها.. وما تتستّر عليه من أجندات وحسابات ومعادلات كانت ترمي ما في جوفها إلى السطح وهي تستدرك ما عجز عنه العدوان والدمار والحصار والاستهداف.
ربما كان من الصعب تحديد الإجابة مباشرة.. لكن عندما كانت هذه «الثقافة» هي الحامل لكل ما شهدته سورية من جرائم التنظيمات الإرهابية ومن أعمال تخريب وتدمير للبنى التحتية والمؤسسات، وهي التي أطّرت تلك الممارسات في سياق التعمّد في الاستهداف، كان لا بد من إدراك ذلك المنتج والآليات التي تقودها في ممرها العفن إلى حيث يوغل القتل في حضوره وفي مشاركاته وبهذا الشكل الفاضح..
ثقافة ندرك جميعاً أن غربتها عن موطنها تضفي عليها الكثير من الغرابة والابتذال، فيما الإيغال في القتل وبهذه الطريقة المريبة يعكس تلك الهستيريا التي ترافقها سياسياً وإعلامياً ودبلوماسياً.
لكن هذه الغربة لم تتمكن من تقديم التفسير المطلوب.. ولم يكن بمقدورها الذهاب أبعد في توضيح تلك الدلالات المريضة.. وذلك الاختلال في موازين احتكام المرتزقة والمأجورين إلى التوحش.. لم تتمكن إلا عندما حدّدت المبضع القابض على السكين.. والإصبع الضاغط على الزناد كي يقتل ويذبح ويمثّل بالجثث.. بذلك الدم البارد.. وهي تأتي من قاعٍ آسٍ .. حاقد .. متخم بتجليات الانتقام.. والرغبة في التنفيذ الدقيق لأمر العمليات العدواني..
كل السوريين يدركون أن هذه ليست «ثقافتنا» .. ليست لنا.. ولا هي من نتاجنا.. ولا هي في أصول تعاملنا.. وكل السوريين يعرفون اليوم أنها غريبة عنا.. ويعرفون أيضاً مصدرها.. أدواتها.. أطرافها.. والأجندات التي تخدمها وبنك الأهداف التي تعمل لحسابه..
وكل السوريين يعرفون أن تلك الأصوات المبحوحة ليست لنا.. وتلك الأقلام المأجورة لا تنتمي إلينا.. وتلك الأبواق لا تعنينا.. وأولئك الحاقدون حفنة من أدوات ارتضت أن تكون في خدمة الغرب وإسرائيل.. وتورمت في خدمتها واستطالت إلى حد الهذيان..
نعرف إلى أين ينتمون.. وعلى أي «ثقافة» يعملون.. ومن كان أصيلاً منهم أو ذاك الذي استحدث دوره ليكون الخادم المطيع للإسرائيلي والأميركي..
هذه «ثقافة» أولئك الذين تحاوروا بتراشق الكراسي والسباب والشتائم والتعارك بالأيدي.. « الثقافة» المعممة من أسيادهم ومشغليهم.. فمن الطبيعي أن تنتج ذاك الحوار!!
لم نتفاجأ بهذا المستوى ولا بتلك العينة من المشهد لأن المرتزقة الذين اعتادوا أن يعتاشوا على موائد القتلة والمجرمين، والذين نموا وتربّوا على فتات الغرب وأموال النفط ومشيخات البترودولار.. هؤلاء المرتزقة تلك هي ثقافتهم في الحوار.. وأولئك المأجورون تلك هي «ثقافتهم» في القتل.. وفي الذبح وفي التنكيل.. وفي الوحشية.
وجهان لعملة واحدة.. لثقافة أنتجتها تلك الأيدي السوداء.. عممتها مشيخات النفط.. وسوقتها أذرع الفتنة وسفك الدم.. ورعتها سياسات ودبلوماسيات الإلغاء لتكون المنتج الذي تطفو «غنائم» أمواجه.. مزيداً من الحقد والكراهية والارهاب.. والدم.
a.ka667@yahoo.com