المعسكر الأول يؤكد أن عام 2009 سيكون العام الأخير للأزمة الاقتصادية وسيبدأ الاقتصاد العالمي بالتعافي في عام 2010 وستعود معدلات النمو الى مسيرتها الايجابية ويؤكدون استنتاجاتهم هذه بالوقائع الآتية:
أولاً نمو معدلات الاداء الاقتصادي في دول الاتحاد الأوروبي، ولا سيما الاقتصادات الكبرى مثل الاقتصاد الألماني، حيث كشفت المعطيات عن أن الاقتصاد الألماني سجل في الربع الثاني من العام الحالي نمواً ايجابياً بلغ 0.3٪ للمرة الأولى منذ عام كامل أي منذ اندلاع الأزمة العالمية، واشارت احصائيات أخرى الى وجود مماثل في اليابان وفرنسا والولايات المتحدة وهذه الدول الأربع هي الدول الصناعية السبع.
ثانياً تراجع حدة الافلاسات لا سيما على مستوى المؤسسات المالية التي كانت مركز انطلاق الازمة التي عصفت بالاقتصاد العالمي، والنتائج التي حققتها بعض الشركات الصناعية بعد اعادة النظر بهيكلتها ولا سيما صناعة السيارات في الولايات المتحدة.
ثالثا، الدور الذي لعبه الاستهلاك الخاص اضافة الى استهلاك الخاص اضافة الى الاستهلاك الحكومي الذي حفزته الحكومات قصداً في اطار تطبيق السياسات الكنزية لتحفيز الطلب.
رابعاً، معدلات النمو التي لا تزال مرتفعة في دول ما يسمى بالأسواق الناشئة مثل الصين والهند، حيث أكدت الاحصاءات بأن معدلات النمو في هذه الدول الهامة في حركة الاقتصاد العالمي ستظل فوق معدل 7٪ وستمثل قاطرة الاقتصاد العالمي للخروج من الازمة. المعسكر الثاني لا زال يخيم عليه بعض التشاؤم، بل إنه ما زال يتوقع مزيداً من الفصول المأساوية في الأزمة ويستند في ذلك الى المعطيات التالية:
أولاً، معدلات البطالة فالاحصاءات التي تنشر في جميع الدول الصناعية الكبرى ولا سيما في الولايات المتحدة تشير الى ارتفاع معدلات البطالة شهراً بعدا الآخر واذا لم يتوقف تصاعد البطالة فإنه لا يمكن الحديث عن نمو وعن تعافي الاقتصاد العالمي والخروج من الازمة لأن البطالة مؤشر على أن المؤسسات الاقتصادية لم تستعد حيويتها كما أن البطالة تضعف الطلب وتسهم في تعميق الازمة.
ووصل معدل البطالة في الولايات المتحدة تبعاً لآخر الاحصائيات الى أكثر من 9.5٪ وهو يقترب من 10٪.
ثانياً حركة الافلاسات لم تتوقف بعد ففي هذا الشهر أغلقت الولايات المتحدة خمسة بنوك ويمكن العثور على افلاسات أخرى في أنحاء مختلفة في الدول الصناعية وطالما أن الافلاسات لم تتوقف فإن الازمة لم تصل الى قعرها.
ثالثا، ضعف الانفاق الاستثماري فمعدل انفاق الشركات الأميركية الاستثماري انخفض بنسبة 38٪ على أساس سنوي في الربع الأول وشهدت الشركات التقنية أكبر انخفاض في النفقات الرأسمالية.
رابعاً، انعكاسات الازمة العالمية على الدول النامية لا تزال في بداياتها والتوقعات تشير الى حدوث ازمات وانهيارات اقتصادية في هذه الدول ستظهر تباعاً وسيكون لها ارتدادات سلبية على اداء الاقتصاد العالمي الضعيف، واذا كان تأثير هذه الدول محدوداً عندما يكون الاقتصاد العالمي في مراحل الازدهار فإن تأثيرها يصبح مؤثراً في الفترات التي يعاني فيها هذا الاقتصاد من الازمات وهذه الازمة من بين الازمات الكبرى.
أكثر من ذلك أن بعض الخبراء يعتقدون أن هذه الازمة تختلف عن أزمة عشرينات وثلاثينات القرن الماضي لأنها أزمة عصفت بقطاع الاستهلاك وانتقلت منه الى القطاعات الانتاجية على عكس ما حدث في الازمة الكبرى عام 1929.
يعكس التباين في مواقف الخبراء والمحللين من آفاق الازمة الاقتصادية حقيقة أنه مثلما فشلوا في توقع الازمة وتداعياتها الحادة فإنهم يفشلون الآن في التعرف الى احتمالات الخروج منها وهذه هي مأساة علم الاقتصاد الذي يصفه البعض بالعلم الكئيب.