الاول الدفاع عن البلاد بوجه العدوان والثاني تلبية مطالب المواطنين السوريين الصادقة والهادفة لتطوير النظام وإصلاح ما يجب إصلاحه على طريق بناء سورية الحديثة المتطورة، وهي عملية كما يعرف الجميع لا تتوقف عند عمل وتدبير فالتطور شرط ملازم لطبيعة الحياة. وفي الوقت الذي نزلت القوات العسكرية الى الميدان بعد طول استمهال وتأنٍ سارعت القيادة السورية إلى وضع برنامج تنفيذي للتطوير والإصلاح وفقا لما تتيحه الظروف، ثم دعت الفئات والشرائح الوطنية السورية للحوار تحت سقف السيادة الوطنية والقرار السوري المستقل. لكن قيادة العدوان على سورية صعّدت من عملها الميداني والاستثمار بالعنف ومنعت الحوار وأصرت على تحقيق أهدافها بالقوة الإرهابية وانصاع اليها من الحق نفسه بقرارها.
والآن وبعد مضي ما بات يقترب من السنوات الأربع وبعد أن تيقن المعتدي أن الإرهاب لن يسقط سورية، وأن سورية تميز بين إصلاح تبتغيه وتعمل من اجل تحقيقه وتبحث عن السوريين المؤهلين للمشاركة بالعملية الإصلاحيـــــــة لتحاورهـــم، وبين إرهاب ترفضه وتحاربه وتبحث عن مصادره وينابيعه وأدواته لتعطلها تمهيدا لاجتثاثه وتطهير البلاد منه، بعد أن تبين للمعتدي ذلك تظاهر بأنه ضد الإرهاب، لكنه أصر على غيه في دعمه بالسلوك والممارسة، مع مناورة واضحة لتعطيل اي حل سياسي لا يحقق اهداف العدوان الاساسية.
هنا يكون من المفيد أن نؤكد أن للحل السياسي في علم القانون ضوابط ومعايير ولمحاربة الإرهاب في العلم العسكري أصول وقواعد ثابتة، لا تؤتي أوكلها كما يجب إن لم تحترم جميعها على وجه كامل، أما الانتقائية خاصة في محاربة الإرهاب كما يدعون فإنها لا تعدوالعمليات الاستعراضية أو العمليات التجميلية على حد قول الرئيس بشار الأسد، أي تجميل التقصير وعدوانية السلوك بعمل قد يخدع البسطاء، وتحت هذا العنوان تندرج عمليات القصف الجوي التي نفذتها طائرات التحالف الأميركي المعلن ضد «داعش» والذي يخفي شيئا آخر، إذ أن هذه العمليات لم تؤد حتى الآن إلى قتل اكثر من 300 إرهابياً في سورية قتل معهم للأسف 250 مدنيا سوريا طالتهم النار الأميركية في بيوتهم أو حقولهم، وقد استلزم ذلك الف غارة و75 يوما من العمل و3 مليارات دولار كما تتداول المؤسسات الغربية المعنية بالمتابعة وبذل كل ذاك الجهد والإنفاق ولم يؤد إلى تنظيف بقعة ولم يخرج الإرهاب من مدينة ولم يقطع عليه طريق غزوة، بينما العكس حصل على يد الجيش العربي السوري والقوات الرديفة حيث تم الالتزام بالقواعد العسكرية الصحيحة في المجابهة، فأدت عملياته في الفترة ذاتها إلى تنظيف وتطهير مساحات شاسعة على أكثر من اتجاه وإرداء 10 أضعاف العدد المذكور من الإرهابيين بين قتيل ومصاب في اقل من نصف الفترة ذاتها.
لكن سورية التي تسجل إنجازات نوعية في محاربة الإرهاب تعلم جيدا أن هذه المهمة لا يمكن أن تكتمل باستعادة الاستقرار الى البلاد ووضع حد لهذا الخطر الجسيم إن لم يستكمل السعي على خطين متلازمين:
- عمل داخلي يحقق مصالحة وطنية شاملة تغلق اي باب او مصدر يستفيد منه الارهابيون من الداخل ،عمل لا يستثني أحدا من الشعب السوري إلا الذين يخرجون أنفسهم بأيديهم من المشهد عبر ارتهانهم للخارج وتنكرهم للسيادة الوطنية وتسخير طاقاتهم لسفك الدم السوري أوالمساعدة على ذلك، وهذا الخط هو ما يعبر عنه بالحل السياسي للازمة، الحل الذي يصنعه السوريون بأنفسهم، من دون أن يُملى عليهم من شقيق أوصديق أوخصم أوعدو، وإذا استلزم الامر مساعدة من مخلص حريص على سورية وسيادتها فإنها تقبل مشكورة لكن لا يمكن قبول تدخل العدو والخصم في شأن سوري داخلي. وانطلاقا من هذا المنطق الوطني رحبت سورية بالمسعى الروسي للحل السياسي، الذي لا يتخطى سيادة سورية وارادة شعبها ووحدة ارضها.
- عمل خارجي يتم بتعاون دولي شامل لمجابهة الإرهاب، يبدأ بتجفيف مصادره البشرية والمادية والعقائدية، ثم قطع الطرق عليه لمنعه من الوصول إلى الميدان السوري أوالعراقي (وهي الميادين التي يتفشى فيها العمل الإرهابي) كما والحؤول دون اقتحامه ساحات جديدة خاصة في الأردن ولبنان والسعودية التي باتت مرشحة لاستيراد ما صدرت من الإرهاب بشراً وفكراً وتمويلاً، والأهم الملّح اليوم هوأن تبدأ الدول المجاورة لسورية بالقيام بهذا العمل خاصة تركيا التي تعتبر الجسر الرئيسي الذي يعبر عليه الإرهاب إلى العراق وسورية برعاية ودعم تركي واضح ،وبهذا المنطق والفهم استمعت سورية باهتمام لمبادرة دي ميستورا الذي اظهر رغبة في تجميد القتال جزئيا كخطوة اولى على طريق الحل، وابدت استعدادا لدرسها من اجل التحقق من احترامها للقواعد والاصول المعتبرة لاستعادة الاستقرار دون ان يعطى الارهاب اي فرصة بالنمو او تحقيق اي مكسب مهما كان نوعه وحجمه.
لقد اتخذت سورية المواقف الايجابية من المسعى الروسي وابدت الاهتمام بالمبادرة الاممية متسلحة بالإنجازات التي حققتها في الميدان على صعيد محاربة الإرهاب مغتطبة بالتغيير في المواقف الدولية منه، تغيير يؤكد صوابية الموقف السوري منذ البداية. ثم كلل ذلك باللقاء الثلاثي الذي عقد في طهران والذي أسس لمنظومة إقليمية فاعلة نواتها ايران وسورية والعراق منظومة لمحاربة الإرهاب بجدية وفعالية، في وقت تصاعدت فيه الهواجس الغربية من مخاطر الإرهاب المرتد عليها الذي قد يبدأ بالتفجر في شوارعها وأحيائها الآهلة مع بدء عودة بعض الإرهابيين من حاملي جنسية تلك الدول اليها. كل ذلك فتح الباب أمام عمل متكامل لإنتاج بيئة تمكن من ملاحقة الإرهاب على صعيد دولي من جهة، والسير قدما بحثاً عن حل سياسي يصنعه السوريون.
لكن في مقابل هذه الإيجابيات على صعيد الحرب على الإرهاب والدفع باتجاه الحل السياسي، يصدم المتابع بمواقف البعض الذين يصرون على العيش خارج الزمن منفصلين عن الواقع، في حال من المكابرة والعمى السياسي الذي لا يؤدي إلا إلى مزيد من المعاناة لسورية والعراق والمنطقة كلها، التي هم منها والتي لن تكون بيوتهم في القريب القريب إلا هدفا لنار الإرهاب الذي لن يوفرهم.
نقول هذا ونحن نقرأ ما جاء في بيان دول الخليج مؤخرا من مواقف لا نصيب لها من المنطق والواقعية السياسية، أما تركيا ومع عدائها المعلن لسورية وشعبها، فقد تكون أدركت شيئا يحملها على التفكير بمراجعة مواقفها، إما لسبب اقتصادي قد تكون روسيا صنعته لها لدى زيارة بوتين الأخيرة اليها أو "لسبب آخر" قد تكون إيران وراءه بعد لقاء مسؤولين من البلدين مؤخرا. ومع أننا لا نملك قدرا من ثقة بصدق اردغان ووفائه، إلا أننا لا نسقط مصلحة تركيا في مراجعة مواقفها كما أسلفنا ولأن المصلحة هي من يسير اردوغان فقد يكون التصور بإمكانية المراجعة تصورا مقبولا.
وبناء عليه، نرى أن الهجوم المعاكس الذي خطط له محور المقاومة في الآونة الأخيرة ودعمته فيه بشكل خاص روسيا، بدأ يحدث تغييرا معقولا في المشهد بحيث يعزل الإرهاب ويلزم الجميع بمواجهته وتكون سورية قد نجحت فيما أصرت عليه منذ الحظة الأولى عندما أعلنت أن لا حديث عن حل سياسي أوعملية إصلاحية إلا بعد الإقرار بوجود الإرهاب والالتزام بمحاربته، وتكون نجحت مرة اخرى عندما بدأ التسليم دوليا بأن حكم سورية هو شأن سوري لا يحق لأحد الإملاء فيه وهذا هو جوهر المبادرة الروسية، وان وقف العنف والارهاب شرط لا بد منه للانطلاق في الحل السياسي وهذا ما ينبغي ان تكون عليه مبادرة دي ميستورا، ما يعني أن المشهد الجديد بات يتشكل وبتسليم الجميع ضمناً أو علناً أن لا حل ولا مخرج من الأزمة إلا باجتثاث الإرهاب وهومسؤولية دولية وبترتيب البيت السوري وهو مسؤولية سورية.