وهي تباهي اليوم بأنها تُجلس على طاولتها من يفاخر بأنه يمثل الإرهابيين ولا يقبل في حد أدنى أن يدين هذه المجزرة.
ويبدو أن الجولة الأولى من جنيف لم تكفِ رغم كل ما قدمته من أدلة دامغة وشواهد ملموسة، كي يقتنع الكثيرون بأن الحل السياسي ليس أولوية في الاعتبار الأميركي ورعاة الإرهاب إقليمياً دولياً، فكان على الجولة الثانية أن تحط رحالها على الخنجر الذي يوغل في تعميق جراح السوريين وهو يطعن مراراً وتكراراً أمام الجميع وعلى مرأى العالم بأيدي الإرهاب الحاقد.
من الإصرار على تعطيل توسيع وفد المعارضة وتشميلها بطيف أوسع، إلى إعادة النفخ في القربة المثقوبة في تحديد الأولويات، وصولاً إلى الصمت المطبق حيال ما يجري من إرهاب ومجازر، وآخرها المذبحة التي ذهب ضحيتها أطفال ونساء ومعوقون من اهالي قرية معان، وليس آخرها التنصل من كل ما سبق أن تم طرحه ونقاشه.
فقد أعادت القاعات السويسرية فرد الأوراق على طاولاتها في جولة جديدة، وهي تعيد نصب المتاريس ذاتها، بعد أن أشبعت في جولتها الأولى ما وراء الأكمة شرحاً وتفسيراً على مدى الأيام الماضية، وحتى على امتداد الأشهر المنصرمة، وبات الفارق بين ما قبل الأكمة وما بعدها يساوي الفارق بين من يجلس باسم المعارضة ممثلاً لرعاة الإرهاب وبين الدور الأممي بشخص الإبراهيمي تحديداً، حين أشهرت الدول الداعمة للإرهاب وأدواتها في المنطقة والمرتزقة التي تعمل لحسابها كل ما تخفيه وما كانت تبطنه جهاراً ودون أي حياء، في حين تكفّل الإبراهيمي بتقديم ما يمكن أن يعوّض فشلهم في محاكاة ما يريدونه.
على مقربة من تلك الطاولات تُرك الباب موارباً على اجتهادات - في أساسها - تتخفى الأكمة ذاتها وراءها، وتقدم المعادلة مقلوبة رأساً على عقب، وهي تجترّ في المحاصصة السياسية والابتزاز الدعائي من النقطة التي تتشكل حولها الأحجيات الواضحة، التي تريد أن تسلب المؤتمر أي بارقة أمل حتى لو كانت في آخر النفق، حين يصر وفد الائتلاف المسمى المعارضة، على طرح ما يميله عليها مشغلوها، ويتلقفه الإبراهيمي ليسوّقه باسم الوساطة الأممية !!
ما يراكم من تلك الطلاسم التي تتخفى وراءها الأكمة أن تلك المعارضة لا تكتفي بالعودة إلى المربع الأول، ولا يكتفي معها المبعوث الأممي أن يكون طرفاً في النقاش وفي الطرح، بل وسيلة إضافية لتجليس ما اعوج من أداء المشغلين وأدواتهم داخل القاعة، بعد أن استعصى عليهم العمل السياسي وبات أحجية للتلاعب بالمفردات والمصطلحات، وصولاً إلى التلاعب بمضمون وثيقة جنيف ذاتها، حين يصرّ على إعادة ترتيب بنودها بعد أن عجز عن فرض الانتقائية في اختيار ما يريده منها، وبالتالي أن يتحول الإبراهيمي إلى ممر لتسويق ما يعجز عنه أولئك.
في المبدأ بات من العبث النقاش في البديهيات، وقد شهدت ما يكفي من نزالات سياسية وإعلامية موثقة وبالأدلة والقرائن القاطعة، على أن ما تخفيه المعارضة وراء الأكمة.. يقدمه الإبراهيمي قبلها وما تصطنعه من طلاسم في الطرح السياسي.. يغلفه المبعوث الأممي بأحجيات من المبادرات والأوراق تحت عناوين البحث عن نقاط مشتركة، وهي تتحول إلى ذريعة جديدة للتهرب مما تتضمنه الوثيقة التي حاججت بها أميركا من أجل أن تدعو هذا إلى المؤتمر وتعترض على ذاك.
لسنا بوارد طرح الأسئلة التي باتت الإجابة عنها من البديهيات المسلّم بها، ولا باستعراض الكثير مما حفل به المؤتمر حتى الآن من مفارقات بدت قاسية على التصديق، وصعبة على الهضم وهي مروسة بـ«أكمة» تقف خلفها خلطة الإبراهيمي الانتقائية الساذجة من بيان جنيف، حين يريد أن يسوق ما يتقاطع حوله الإرهابيون ورعاتهم، فيما يتلكأ في الحديث عما يحتاجه السوريون قبل أي شيء آخر.. وهو وقف الإرهاب وتجفيف منابع تمويله وتسليحه.
a.ka667@yahoo.com