يمتلك من النيات الطيبة, ومن الإصرار على الخروج بسياسة نقدية ومالية فعالة وكفوءة, الشيء الكثير, ولهذا الاعتقاد أسبابه الموضوعية, التي قد يكون من أبرزها اهتمامه التلقائي بالقضايا التطويرية التي برزت عبر طروحاته العديدة, التي تابعها الكثيرون, وتعرضه لموجة نقد غير قليلة, وغير سهلة, بحجة أنه ليس متمرسا بالشأن المصرفي, ولعل هاتين الناحيتين سوف تشكلان عنده حافزا دائما لاتجاهات جادة نحو أداء كفوء, وتحقيق سياسة نقدية ومالية فاعلة.
وفي هذا الإطار- على ما نعتقد أيضا- جاءت القرارات الأخيرة عن السلطة النقدية بتحريك معدلات الفائدة, حيث أوضح الدكتور ميالة - وهو رئيس هذه السلطة المتمثلة بمجلس النقد والتسليف- : أن تحريك الفوائد جاء محاولة لجعل الإيداعات قاعدة مستقرة للإقراض لدى المصارف, من خلال تحفيز المودعين على نقل إيداعاتهم من ودائع قصيرة الأجل, موجودة تحت الطلب, إلى ودائع طويلة الأجل (سنة وما فوق).
وقال رئيس مجلس النقد والتسليف: جاء تحريك الفوائد هذا بعد أن لاحظنا أن هناك سيولة فائضة كبيرة, معظمها موجود في دفاتر التوفير تحت الطلب, لذلك فهي تشكل قاعدة غير مستقرة والمصرف يتكلف عليها .
هذا الكلام دقيق جدا, وصحيح جدا من حيث المبدأ, فالسياسة النقدية سوف تكون غاية في الكفاءة والفاعلية إن استطاعت تحفيز المودعين لنقل إيداعاتهم من ودائع قصيرة الأجل وتحت الطلب إلى ودائع طويلة الأجل .
ولكن الذي جرى ليس تحفيزا في حقيقة الأمر, أكثر مما هو ضغط على المودعين وإجبارهم على نقل إيداعاتهم إلى ودائع طويلة الأجل.
فماذا يعني أن فوائد ودائع التوفير تحت الطلب بقيت 5% إن كانت تحت المليون ليرة, فيما تنخفض هذه الفائدة إلى 4% على مايزيد عن تلك المليون الأولى .
هذا الكلام كان يمكن أن يشكل تحفيزا فعليا لنقل الإيداعات إلى ودائع طويلة الأجل, لو أن القرار لم يحذر على المواطنين بعدم إمكانية حيازة أكثر من دفتر توفير واحد للشخص الواحد.
هذه- في أغلب الظن- لا تندرج في سجلات السياسة النقدية الفاعلة والكفوءة, أكثر مما يمكن أن تكون لعبة مصرفية, تعتمد بدلا من زيادة حجم الخيارات, تضييق هذه الخيارات, ووضع المودع أمام خيارات إجبارية, بدلا من العمل على وضعه أمام خيارات انتقائية.
فالذين يضعون في دفاتر توفيرهم أكثر من مليون ليرة سورية, إما أنهم سوف ينصاعون إلى فائدة لا تتجاوز 4% إن كانوا يريدون أموالهم تحت الطلب, أو سوف يحولونها إلى ودائع لأجل, ويفتقدون بذلك ميزة (تحت الطلب).
بكل الأحوال, لا يزال الحكم على هذه الخطوات مبكرا, ولكن أكثر ما نخشاه أن يقدم المودعون على سحب إيداعاتهم بدلا من تحويلها إلى إيداعات آجلة, واستخدامها مجددا في المضاربات العقارية, أو ربما يلجؤون إلى بدائل أخرى كجامعي أموال جدد, بطرائق احترازية جديدة, وقد لا نبالغ إن قلنا: سوف نترقب وضع السوق فالتضخم صار أمرا مرشحا بقوة .