لكن من قال ان الجوع صامت ، فانه يكذب وهو يسمع صراخ مليار من الجياع في ألفية قرن تعهد فيه الكبار بمكافحة «الجوع المستدام» دون ان يلتفتوا الى تخمة ثقل موائدهم بالدسم بينما تفتح كرتنا الارضية - وهي تترنح - فمها لابتلاع ضحايا الجوع خاصة من الاطفال الذين يموتون تضورا منه ومن توأمه سوء التغذية رغم ان اتفاقية حقوقهم الدولية في مادتها السادسة تنص بحق كل طفل في الحياة وتوجب على الاطراف تأمين بقائه ونموه وصحته؟!
الكرامة الانسانية توجب الحق في الغذاء وهذا مااعترفت به الشرعية الدولية في 16 تشرين الثاني عام 1974 يوم الاعلان العالمي عن استئصال الجوع وسوء التغذية وحيث اعتمدت منظمة الاغذية العالمية (الفاو) التي سارعت للعام الثاني على التوالي لقمة الجياع التي تعقد الان في روما بعد ان تخطت الحالة الخط الاحمر باكتشاف ان سدس البشرية جائع في 70 دولة معظمها في آسيا وافريقيا، وان نصف هذه البشرية تحلم بالوجبات الاميركية الدسمة وبتخمة يشكو منها البريطانيون على سبيل المثال وان خمسة ملايين طفل يفترسهم وحش الجوع وسوء التغذية كل عام الذي اضاف الى قوائم الجياع في عام كساده مئة مليون. مازال العالم الذي لايملك الارادة السياسية للخلاص يبحث عن تعريف ماهو الجوع ومن هم الجياع ويتصيد القمم لابادة هذا الوحش.
لم تعد تلك القمم تساوي ثمن اوراقها حتى ولو زينت بنيون دعائي باستثنائيتها لتدق جرس الخطر في عالم خسر مبادئه ومعركته مع الجوع المستدام بقوة أنانية الاقوياء وتفننهم في هدر الثروات والغذاء لاختراع وقود حيوي بدل النفط .
في غزة المحاصرة يعرف اطفالها معنى الجوع في حين يصمت اقوياء العالم عن تلك المجزرة البشرية التي يرتكبها الاحتلال الاسرائيلي في وقائع حصار وابادة معلنة لشعب يناضل وهو جائع.
لماذا لايتجرأ العالم ان تكون غزة مكانا لقمة «فاوه» اذا كان صادقا في بدء تاريخ جديد لدفع الظلم عن سدس البشرية الجائع وعن خمسها البائس وليوثق النضال البطولي لفلسطيني يخوض صراعا كل لحظة لاطعام اطفال يحلمون بالتحرر من وحش الجوع والاحتلال معا . هل هذا ضرب من المستحيل ؟ ربما؟