وتطرح في الوقت ذاته هواجس لا تخفي خشيتها من تلك الأصابع المتورطة في تأجيج الاشتعال على وقع دورها في تجاهل تهريب السلاح والتغاضي عن تسلل المسلحين، وربما التواطؤ في ذلك!!
و يتزامن مع إماطة اللثام عن تفاصيل إضافية دفعت به ليطفو على السطح، ويحوز قسطاً كبيراً من الأضواء، بعد أشهر من الغموض المتعمد الذي رسم في أحيان كثيرة تساؤلات كان من الصعب الجزم بالإجابة عليها، في محاولة بدت عارية من الحقيقة للتمويه على مساحة ما تشغله بعض الاطراف العربية من حلقات في الحرب الكونية على سورية.
أغلب تلك الأسئلة كانت تحاكي واقع الحال، وبعض التحليلات تغاضت عنها أو تجاهلتها من منظور الرغبة في الابتعاد عن إضافة أصابع جديدة إلى المغطس السياسي والعسكري الذي ترتاده دول إقليمية وعربية أفصحت عن دورها ووجهها منذ البداية ولم تكن محرجة من ذلك الدور، ولا هي مرتبكة في التعبير عن تمنياتها وأحلامها وصولا إلى إعلان ما تريده بشكل مباشر.
غير أن التسريبات -الصحفية منها على وجه التحديد- أعادت تسليط الأضواء على الدور اللبناني ومصير النأي بالنفس والدور الأردني ودور الاستخبارات الدولية لديه، حين تسارعت مضبوطات الحالة وهي متلبسة بأقصى درجات القرينة، وبما يصعب على أحد أن ينفيها، وبالتالي كان من المستحيل الاستمرار في تجاهلها.
لا ننكرأنه قد يأخذ البعض على السوريين المبالغة في ضبط النفس، وحتى في التعامل بحسن نية مع الملفات التي أثيرت، وحتى التسريبات التي مرت كانت لا تأخذ حيزا كافيا في الاهتمام الإعلامي والسياسي على حد سواء، وجاءت التفسيرات في بعضها على الأقل بشكل مناقض للحقيقة والواقع، بل تم استغلالها للغمز من قناة المشهد السوري.
اليوم تبرز عودتها للظهور بهذا الشكل وهو ما يمكن البناء عليه من منظورين اثنين، الأول يتعلق بمنشأ ومصدر ما يتم تسريبه وتداوله، والثاني يخصّ مضمون وكيفية ما يتم على قاعدة واضحة لا لبس فيها ولا غموض وتحاكي بشكل واضح وصريح عوامل نشوء ما يجري واخذه في سياق المطلوب على المستوى الخارجي لفهم تداعياته من جهة، ولتفسير الظواهر المرتبطة به، وهي كثيرة وتكاد لا تعد من جهة ثانية.
فالواضح ان لبنان كان ضحية ادوار وقوى لا تمثل الدولة بمنطوق الرغبة لكنها تغض الطرف وتتعامل مع المسألة بازدواجية واضحة عبرت عن نفسها بطريقة الادعاء بعدم المعرفة، وحين استدلت على القرينة سرعان ما علا صوت الحكومة اللبنانية ليردد شعارات فارغة وغير مقنعة ولا تساوي من الناحية العملية الحبر الذي كُتبت فيه.
وهذا ما ينطبق على الحالة الأردنية في الأيام الأخيرة حين فتحت حدودها أمام الجهاديين والتكفيريين وعلنا، فيما كانت تسهل مرور من تم إعدادهم على الأرض الأردنية بإشراف مباشر من الاستخبارات والعسكريين الأميركيين، وليس من الصعب تتبع دور الاستخبارات الأردنية التي تمتهن ممارسة الأدوار المزدوجة!!
ربما ما فات الجميع أن المسألة اليوم وصلت إلى انحناءات حادة وتقف على المنعطف الخطير وبالتالي من المنطقي أن ننظر إلى الأمور بالاسقاطات التي تحملها كما يتم النظر إليها بالتداعيات التي تقود إليها، وفي المقدمة أن لا أحد بمقدوره أنْ يتجاهل المقدرة السورية على إعادة ضبط الإيقاع، وإذا تخيل البعض أو توهم غير ذلك فإنه يكون قد وقع في المحظور القاتل وفي فخ الحسابات الخاطئة.
الرسالة السورية للحكومة اللبنانية ليست أكثر من إشعار سياسي يقتضي أنه ينطوي أيضا على إخبار أبعد قليلا من السياسة وقد كان بمقدور الأطراف اللبنانية وحكومتها أن تقرأ جيدا عناوينها على الأقل إذا ما عجزت عن قراءة التفاصيل، والأمر ذاته في الاتجاه الأردني، ولو جاء من مكان آخر، إذ إن التسريبات الصحفية الأميركية بالتحديد عن دور الاستخبارات الأردنية يجب أن يكون الرسالة التي تحتاج من الحكومة الأردنية إلى قراءتها بتمعن وبتدقيق، وربما أن تعيد القراءة اكثر من مرة إذا ما اقتضت الضرورة.
الأهم أن الحال السوري المكتوي بنار الإرهاب لن يبقي مشتعلاً لوحده خصوصاً حين تندسّ الأصابع الأردنية واللبنانية، سواء كان عن عمد أو من دون عمد والحالان يوصلان إلى النتيجة ذاتها، وهنا المشكلة التي يحتاج الجانبان إلى حلها والإجابة على الأسئلة التي أثارتها وستثيرها بالضرورة إلى وقت لاحق.
حين يتوجع السوريون من الأصابع العربية، يكون لجراحهم وقع مختلف، وحين تأتي من جوارنا العربي يكون طعم الألم أشدّ مضاضة، وسيكون من الصعب على أحد في المنطقة ألا يتلمس حدود الوجع، حيث يتساوى فيه المتفرجون في الملعب وخارجه مع اللاعبين الأساسيين.. وهنا أوجه الاختلاف التي قد تقدم إجابة لكثير من أسئلة السوريين، مقابل أن تثير أسئلة عديدة إضافية لكثير من العرب وخصوصا في جوارهم!!
بعد عامين يحق للسوريين أن يضعوا أصبعهم على الجرح .. وأن يسموا الأشياء بمسمياتها.. وأن يتوقع أشقاؤنا أننا جادون في كل ما يترتب على ذلك!!
a.ka667@yahoo.com