تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


في معاني الوطنية 

إضاءات
الأحد 17-6-2012
د.خلف علي المفتاح

الأزمات التي تمر بها الأمم والشعوب والأوطان على مر مراحل التاريخ، هي مختبرات حقيقية لعراقة وأصالة وقوة شعوبها، وبالقدر نفسه هي اختبار لابنائها ومعادنهم ووطنيتهم وحقيقة انتماءاتهم،

وإذا كانت الأزمة التي تمربها سورية منذ أكثر من خمسة عشر شهراً بكل ما حملته من آلام ونزف فيها من دماء واستنزفت من خلالها ثروات وطنية إلا أنها أثبتت للقاصي والداني وللأصدقاء والأعداء أن الشعب السوري يملك من القوة والشجاعة والصبر والتضحية والإيمان والتماسك والثبات على المبادئ وإرادة التحدي الشيء الكثير وهو ما مكنه من الصمود والمواجهة على الرغم من وطأة الأحداث وجلل الخطب وثقل التبعات.‏

وعند الحديث عن ذلك فإن أول ما يواجه الباحث والمحلل -لظروف الأزمة وتداعياتها- السؤال المحوري عن معنى المواطنة ودورها المحوري في كل الذي جرت الإشارة إليه.‏

وهنا يصبح للوطنية والمواطنة معنى مركباً ومفهوماً جامعاً مانعاً، وربما تجلت في مفاهيم وسلوكيات على درجة من البساطة ربما لا يعي من يمارسها دلالاتها البعيدة ومعانيها عند وضعها في سياقها العام، وهنا يتسع المفهوم بشكل عمودي وأفقي ليكون رأسه التضحية بالنفس وقاعدته تفاصيل صغيرة، ولنكن أكثر دقة حيث يمكننا القول: إن الوطنية في الأزمات ليست كلاماً أو خطاباً يجري على لسان هذا الشخص أو ذاك -على أهمية الخطاب بالمعنى المعرفي- ولكنها سلوك وعمل وتضحية وإذا كانت خطاباً بالمعنى الذي أشرنا إليه فترجمته وقيمته بتحوله إلى سلوك وموقف واضح لا لبس فيه.‏

إن أخطر أشكال الاستثمار والمتاجرة هو الاستثمار في الأزمات وهذا المفهوم ينطبق على الجميع، على التاجر والموظف والسياسي والإعلامي والمثقف ورجل الدين وغيرهم من شرائح المجتمع، وهنا تصبح الوطنية هي النقيض لذلك فالمثقف والإعلامي والسياسي الذي يجد في الأزمة فرصة للمتاجرة بموقفه أملاً بمغنم لا يقل سوءاً ولا وطنية عن التاجر الذي يحتكر بضاعته أملاً بمزيد من الربح وتحقيق المزيد من الفوائد غير آبه بما يسببه من معاناة ونزيف لوطنه وأبناء جلدته، وكذلك الموظف والمسؤول الذي يجد في الأزمة فرصة أو مشجباً يعلق عليه عرقلته لقضايا المواطنين وحاجاتهم ومطالبهم بهدف ابتزازهم واستغلال مناخ الأزمة لتحقيق مصالح شخصية ضيقة.‏

وهنا علينا الإشارة للمواطن الذي يستغل ظروف الأزمة وأولوياتها ليخالف القوانين والأنظمة ويضرب بها عرض الحائط وما لذلك من تداعيات وآثار سلبية على النظام العام وهيبة السلطة واعتداء غير مباشر على حقوق غيره من المواطنين الذين يحترمون القوانين في كل الأوقات والظروف إدراكاً منهم أنها تعبير عن ضمير جمعي ومصلحة عامة يحرص عليها الجميع.‏

إن الوطنية والمواطنة في ظروف الأزمة ترجح فيها كفة الواجبات على الحقوق بشكل كبير لا بل إن بعض الحقوق الشخصية تتحول إلى واجب عام وهنا يمكننا أن نعرض بعض الأمثلة على ذلك فإذا كان من حق المواطن على الدولة تأمين حمايته وحياته في الظرف العادية فعلى المواطن في ظروف الأزمة أن يتحول إلى عين تحرس الوطن ودم يحميه ويضحي في سبيله، فأمن الدولة ليس جهازاً وظيفياً وإنما هو حالة انتماء وحس وطني يجب أن يكون واجب الجميع لا وظيفة هذا الشخص أو ذاك أو هذه الجهة أو تلك وهذه من وجهة نظرنا مسألة في غاية الأهمية ومعنى ثقافي يجب أن يشتغل عليه الجميع من إعلاميين وسياسيين ومثقفين ومنابر دينية وغيرها من وسائل التثقيف العام.‏

إن الوطنية ليست قبعة يضعها هذا الشخص أو ذاك أو هذه الجهة أو تلك على رأس أحد، إنها سلوك وموقف وتضحية تنتسب إلى فاعليها، إنها تعمل من دون أن تتكلم.‏

khalaf.almuftah@gmail.com

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 خلف المفتاح
خلف المفتاح

القراءات: 11140
القراءات: 969
القراءات: 733
القراءات: 876
القراءات: 752
القراءات: 819
القراءات: 832
القراءات: 802
القراءات: 868
القراءات: 808
القراءات: 808
القراءات: 798
القراءات: 825
القراءات: 858
القراءات: 887
القراءات: 875
القراءات: 929
القراءات: 937
القراءات: 884
القراءات: 937
القراءات: 867
القراءات: 899
القراءات: 922
القراءات: 964
القراءات: 1094
القراءات: 1116

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية