وبالأساس كانت ثمة أسئلة يصعب تجاهلها وهي تلحّ مع كل تصريح أميركي عن الأوضاع في سورية، وحين تلوّح بعسكرة الخيارات تبدو أكثر إلحاحاً من سابقاتها.. فتغدو الإجابة أكثر غموضاً.
الواضح أن استحضار خيار العسكرة في هذا التوقيت مقابل التبرم من خيار الدبلوماسية أمر يمكن فهمه إذا ما استعرضنا نماذج السياسة الأميركية في التعامل مع الأزمات المفصلية!!
لكن هذا لا يلغي فوارق ليست بسيطة.. بل من غير المنطقي تجاهلها في سياق التدحرج في التصريحات والمواقف التي تجمع طرفي النقيض تماماً.
وفيما أوباما كان يدعي بأنه يسعى إلى التفاهم مع الرئيس بوتين على حل سياسي في قمة العشرين، تأخذ تسريبات البنتاغون عن الخطط الجاهزة للعسكرة - حتى لو كانت بالوكالة - منحى تصعيدياً يصل وفق بعض القراءات إلى مستوى إعلان المواجهة مع روسيا التي سبق لها أن رفضت مراراً وتكراراً فكرة العسكرة هذه، بل زاد عليها لافروف بأن روسيا لن تسمح بذلك!!.
في كل الأحوال ليس هناك من يستطيع تبرئة التصريحات الأميركية، بالتوازي مع الوقف المؤقت لعمل المراقبين، وليس بمقدور أحد أن يأخذها بحسن نية، فإذا كان بعضها للاستهلاك الإعلامي أو للاستخدام في البازار الانتخابي، فإن بعضها الآخر لا يخلو من احتمالات ميله نحو المغامرة غير المحسوبة، وخصوصاً إذا ما ارتبط بالتطورات الانقلابية في فصول «الصقيع» العربي الذي يكاد يعيد اتجاهات بوصلته على نحو مغاير تماماً.
وعليه، فإن الإجابات المنتظرة عن تلك الأسئلة تبدو مستحيلة، ما لم تأخذ بالحسبان تطورات الأوضاع في سورية، وحالة الإرتباك من الهجوم الروسي في المبادرات التي وضعت أميركا وحلفاءها في موضع الدفاع ومن ثم الرد بتفخيخ مهمة المبعوث الدولي حين رفضت إلزام أدواتها ومرتزقتها بها ومن ثمّ فإن أبعاد التصعيد الأميركي السياسي مع إعادة التلويح بالعسكرة عبر وكلائها بما فيها تلك التي قد تكون خارج مجلس الأمن.. تطرح أسئلة متواترة وتمتلك مشروعيتها.
لكن.. لو أن الأمر مرهون فقط بهذا المشهد.. لكانت الإجابةحاسمة ومنتهية، لأن إدارة الرئيس أوباما تحتاج إلى حراك سياسي حتى لو أخذ طابعاً «حربجياً» من النوع الاستعراضي.. غير أنها تدرك صعوبة أن تضمن الارتدادات المتشكّلة على جوانبه مع ظهور الصوت الروسي الرافض للفكرة وربما المعيق لها..
وتدخل في هذا السياق حرب التسريبات في استعراض للقوة وكردّ احتياطي على تقديرات استخباراتية لا تستبعد في نهاية المطاف احتمال الانزلاق إلى استخدام هذا الاستعراض عملياً لترجيح هذه الكفة أو تلك.
ويبقى الحديث الأميركي والاتهامات الساخنة لروسيا وكأنها اختبار مسبق لنيات لا يستطيع أحد الجزم بأنها حسنة أو بريئة، خصوصاً حين تأخذ هذا الشكل الدراماتيكي من النفي والنفي المضاد.
المغالطات الأميركية في جردة الحساب القائمة كأنها ذاتها الأخطاء التي ارتكبتها وهي تدير أمر عملياتها في تنفيذ مشروعها عبر أدواتها من مشيخات وعواصم ارتضت أن تكون موطئاً وداعماً وممولاً للمرتزقة والإرهابيين، حين تجاهلت عوامل القوة في سورية، أو حين أخطأت في تقدير حضور هذه العوامل!
ويبدو أن الانكفاء السياسي مقابل حضور متزايد في عسكرة الخيارات, يكرر الأخطاء ذاتها دون ان يستفيد من تجارب الفشل.. فما عجزت عنه بأدواتها وحروبها القذرة عبر المرتزقة، لن تحققه بحروب مباشرة أو بالوكالة.. وما فشلت فيه بالتآمر السرّي والعمليات الوسخة عبر وكلائها.. لن تستطيع تمريره بالعلن!
a.ka667@yahoo.com