تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


أبجديتهم الجديدة

معاً على الطريق
الإثنين 18-6-2012
أنيسة عبود

مع كل الاعتذار من أبجدية أوغاريت العظيمة. ومع كل الأسف، أعترف أني حفظت أبجدية جديدة قوية، قاهرة، مخيفة، دموية تتغلب على ما كتبه الشعراء من عهد مردوخ إلى عهد الكواكبي.. ومع كل الحزن أعترف،

أخذت هذه الأبجدية تغزو ذاكرتي وتفرض عليّ مسمياتها.. وها أنا أخذت أتعلمها وأحفظها لأنها لم تكن في الـ (ثمانية وعشرين حرفاً من أبجد هوز) التي استعصت على أبي العلاء المعري ولم يستطع أن يزيدها حرفاً واحداً فأصابه الحزن واليأس.. لكن.. وبفضل بترولنا العربي وشيوخ نفطنا الأفاضل، وبفضل الغرب المتحضر الذي يبكي من جهلنا علينا، ويسعى بكل ما أوتي من العلم والمعرفة والإنسانية لمساعدتنا.. ما أدى لاستنباط أبجدية تخص عالمنا العربي تتفوق على أبجدية أوغاريت.. إنها أبجدية القتل والذبح والساطور بديلاً من القلم والمعرفة والحب صار الدم معادلاً للحبر.. والذبح بديلاً من الرحمة وصرنا كلنا نحفظ أسماء الأسلحة من قناصات وبواريد وقنابل ومدافع و.. و.. لدرجة أن قواميسنا امتلأت بأسماء لم نكن نعلم عنها شيئاً ومن شدة وهج هذه الأبجدية وعظمتها روج لها بعض مشايخ النفط والفتاوى الدولارية.. وصارت المنابر لسن قوانين الذبح للبشر والشجر والطير.. وصارت بعض العمامات التي كانت تدعو للصلاة والتوبة والتقوى تدعو للقتل والذل والاستعباد.. فاسمع أيها المعري.. لقد أتينا بأبجدية جديدة ستدمر البلاد والعباد ستعيدنا لأيام السفر برلك ولأصفاد -العثملية- اللعينة.. فهل الغرب فعلاً يحبنا؟ وهل مشايخ الفتنة الذين يحللون ذبحنا وتقطيع أولادنا يستحقون الحياة أكثر منا؟‏

من أعطاهم حق القتل؟ ومن الذي نصبهم أولياء على أرواحنا؟‏

كيف لهم أن ينوبوا عن الله العزيز القدير.. وكيف يعرفون ما في القلوب؟‏

هذه هي الأبجدية الجديدة التي أدخلوها إلى بلدي.. فكيف سأكتب بلغة الدم؟‏

وكيف سأرسم بالأشلاء حارات الطفولة؟‏

أما الأنهار التي تلونت من دماء شبابنا فكيف سنروي حدائقنا منها ولا تنوح الحدائق؟ وكيف سنمشي على الأرصفة ولا تقوم الرؤوس المقطوعة وتبكي علينا وعلى دمها؟‏

هل تسمح الأبجدية الجديدة لي أن أستعين بأبجدية سورية التي تتغلغل في شراييني، فأقول: آخ يا وطني؟ وهل تسمح لي أبجديتهم الدموية التكفيرية أن أشتاق للبيوت التي ضاعت مفاتيحها، وأشتاق لرائحة القهوة المنبعثة من بيوت الجيران حيث تفرق الجيران وصار الجار يخاف من جاره والصديق يخاف من صديقه؟‏

هل أستطيع تذكر حمص ولياليها وأهلها الطيبين..؟ أم أتذكر إدلب الخضراء وزيتونها والأصدقاء؟ أدباء وفنانون وتلك الأمسيات العابقات بالطيب والزمن القديم. وأبو العلاء المعري يجوب صوامع الأدباء ويسخر من زماننا المهترئ..؟‏

وإذ أشتاق إلى حلب تلوح عمامة الحمداني والمتنبي يهز‏

القصائد في حضرة أبي فراس. وأبو فراس يقول والحمائم تنوح على أطراف عباءته.. كأنني في حضرة سيف الدولة وسيف الدولة حزين من الروم الجدد الذين يختبئون تحت جلود بعضنا.. وبعضنا صار أعداء بعض وقد جمعتنا المدن والحارات والمقاعد واللغة والدم والمصير المشترك والعدو الواحد؟؟ فمن زرع العدو بيننا؟ وكيف يصير العدو صديقاً؟ والأخ عدواً والدم ماءً؟‏

ماء في فمي.. ماء دمي. ماذا نقول للأبواب التي تركت شرفاتها وسافرت؟ وماذا سنقول للواقفين على المفارق ينتظرون العائدين المغمورين بعلم الوطن؟ هل يكفي الصراخ لنتأكد أننا بعيدون عن سورية لدرجة القهر؟ بعيدون عن أحبتنا لدرجة البؤس؟ آخ يا وطني الجريح.. كيف يخضر زيتونك وأجساد آلاف الشبان تغفو تحت ترابه؟ وكيف سيزهر اللوز وقد غابت أرقام وعناوين أحبة كثر من هواتفنا المحمولة؟.. لكن سننتظرهم وإذا لم يعاودوا الاتصال فلا بد أن يتصل أبناؤهم وسترد أمهم سورية.. ومن كانت أمه سورية فعليه أن يضحي وعليه أن يصمد ويصبر ويحافظ على أبجديته الأصيلة، أبجدية الحب والتسامح والولاء لترابها المجبول بدم جنودها الأبطال.. لك المجد يا وطني.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 أنيسة عبود
أنيسة عبود

القراءات: 634
القراءات: 741
القراءات: 688
القراءات: 641
القراءات: 660
القراءات: 608
القراءات: 627
القراءات: 824
القراءات: 874
القراءات: 713
القراءات: 688
القراءات: 711
القراءات: 710
القراءات: 802
القراءات: 706
القراءات: 707
القراءات: 693
القراءات: 776
القراءات: 686
القراءات: 834
القراءات: 696
القراءات: 745
القراءات: 835
القراءات: 913
القراءات: 708

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية