وأما النصف الآخر منها فالشيء الطبيعي ألا ينحل إلا إذا وافقت هذه المديرية على توظيفك .
وإذا حصل هذا الأمر ، فرضاً، وتوظفت عندهم فالمفروض بك أن تتجمل بالمناعة الجسدية ولا تمرض مهما كلف الأمر ، فإذا مرضت زاعماً أن المرض ليس من يدك فسوف تتعرض إلى سلسلة طويلة ومعقدة من الإجراءات التي يبدو أبسطها عصيا على الحل، فما بالك بالصعبة منها!
لنفرض جدلاً أنك مرضت وأخذت إحالة لمراجعة الطبيب ، وهذا الطبيب أعطاك ، حينما راجعته تقريراً يتضمن استراحة لمدة أربعة أيام ، وإن هذا التقرير لايقبل منك إلا إذا أوصلته إلى المديرية قبل الساعة التاسعة والنصف صباحاً ،أي قبل أن يرفعوا البريد إلى السيد معاون الوزير ، وإلا فإنهم سيعتبرون اليوم الأول من غيابك إجازة خاصة بلا راتب.
وبما أنك إنسان طيب ، وحباب ، وابن خلق وناس ، ونظامي ، وتمشي بجوار الحائط وتقول(يارب سترك) ، فسوف تستيقظ في صباح اليوم التالي قبل الشحادة وابنتها ، وتستقل أول سيارة أجرة تصادفها وتذهب لتسليمهم التقرير، ولكنك ستتذكر أن التقرير لن يقبل منك مالم تصدقه مديرية صحة دمشق ، وهذه المديرية لاتفتح أبوابها للمراجعين قبل التاسعة ، ويبقى أمامك حل وحيد لكي تكون في مديرية الشؤون الصحية قبل التاسعة والنصف ، وهو أن تستقل واحدة من السيارات التي تقول حينما تسير (وي وي) فيهب رجال شرطة السير إلى فتح الطرقات المزدحمة ومخالفة إشارات المرور من أجل مساعدتها على العبور ، وهي ثلاثة أنواع: سيارات الإسعاف ، وسيارات النجدة ، وسيارات الإطفائية!
في هذه الحالة يكون أمامك احتمالان اثنان ، الأول أن تتأخر عن الوصول قبل أن يمشي البريد، فيذهب ركضك على الفاضي، والثاني هو أن تصل في الوقت المحدد، ووقتها يكون أمامك احتمالان ، الأول أن يوافقوا عليه من دون شوشرة، والثاني هو أن يطلبوا منك تصديقه من لجنة فحص العاملين ، فتأخذه وتذهب إلى هناك، فتجد أمامك احتمالاً واحداً لاثاني له ، وهو أن يبلغك موظف الديوان في لجنة فحص العاملين أن مجيئك إلى هنا خطأ ، فالقانون لايسمح بتصديق أي تقرير مدته تسعة أيام فما دون ووقتها تضطر لأن تتذكر الصوت الجميل الذي تصدره سيارات الإسعاف والنجدة والإطفائية حينما تسير في الشوارع : وي وي وي...