ظاهرة غريبة وجديدة وملفتة بالطبع , إذ لم يعتد العقل العربي عامة استقبال مثل هذه الأخبار والمعلومات إلا على سبيل الفكاهة , إذ من هم هؤلاء الذين لا يستوون على عروشهم إلا بحماية اليد الأميركية الضاربة عسكرياً وسياسياً ... كي يتجرؤوا على رفض الدعوة الأميركية أو يتلكؤوا في الاستجابة لها , رغم حديث الوزير جون كيري عن ترتيبات أمنية جديدة ستناقشها « القمة « الأميركية الخليجية ؟
لا أحاول هنا تقديم تحليل سياسي يفسر أو يعلل المواقف الخليجية التي يمكن اختصارها بالموقف السعودي , إذ , والكل يعلم , أن محميات الخليج هي المحمية السعودية والمحمية السعودية هي محميات الخليج , فإذا قالت قالوا وإن صمتت صمتوا .. طبعاً بعد أن يقول الأميركي أو يصمت ! لكن , أحاول الإطلال مجدداً على عقل خليجي نما وتكون وانخرط في الحياة السياسية الدولية على قاعدتين اثنتين :
الأولى , مكوناته الطبيعية المعروفة بوصفه عقلاً بدائياً غرائزياً , توقف عن العمل منذ مئة عام تاريخ علاقته الحمائية بالغرب عامة وأميركا خاصة وحين لم تعد به حاجة للعمل , والثانية , اعتماده الكامل على الحماية الغربية والأميركية .. تماماً كما اعتاد التهام واستهلاك حضارة الغرب ومنتجها السلعي عن طريق الشراء فحسب !
ترى , هل يمكن لعقل كهذا أن يفكر مرة واحدة وأخيرة بتحطيم أسواره العالية فجأة , وأن يحاول الخروج من الجحر الأميركي , الذي دخله منذ عشرات السنين وما خرج بعد , إلى عالم مجهول لا يعرف عنه شيئاً , أم أنه كان ينظر إلى ذلك العالم خلسة , فلم يجنح إلى التمرد والخروج حتى وجد في ذاته أهلية المحاولة والمغامرة معاً ؟
لاحظوا , أن العقل السعودي الخليجي كان ولا يزال يتعاطى السياسة من خلف أستار سميكة وغير معلنة , ومادتاه الوحيدتان في هذا التعاطي هما أكداس المال النفطي وعقائد التطرف الوهابية , ينفق من هذه في شراء الذمم والمواقف والإعلام والأتباع , واستطراداً الجيوش .. كما هو الحال في تحالف الحرب على اليمن اليوم مثلاً , ويصدر من تلك إلى تهديد الآخرين بجحافل التطرف والإرهاب كما هو الحال المستمر من أفغانستان وصولاً إلى سورية !
ولاحظوا أيضاً , أن العقل السعودي الخليجي , وعبر التكرار والإعادة , اعتاد استجابة الكثيرين حول العالم عرباً وأجانب ودولاً وأفراداً في تلبية متطلباته وأطماعه وحتى غرائزه , فاسترخى وتمطى وغفا طويلاً , ومن الصعوبة عليه بمكان أن ينهض هكذا فجأة , فيستعيد أدواته وأدواره وما فاته من المعرفة والخبرة والمراس , فينطلق إلى ما ينبغي له ويتوجب عليه كأنه الحاضر أبداً !
شخصياً , ليس لدي وهم بانقلاب الحمق والجهل فجأة إلى ذكاء , خاصة أن ما نتحدث عن انقلابه هو عقل تكون عبر آلاف السنين , عقل أعجز من أن يبادر وينجح , اللهم إلا إذا كان ما نراه من غنج ودلال خليجي ليس سوى .. مشهد من فيلم أميركي جديد ؟؟