لتسقط آخر أوراق التوت، وهي مبللة بذلك النفاق!!
ولم تعد أحجيات السياسة الأردنية الملتبسة خارج سياق التداول المكثف هذه الأيام، ولم يعد لديها ما تنفيه كما جرت العادة.. لا في العلن ولا في السر، وبات دورها الوظيفي، المهدد بحكم انتهاء صلاحية المشروع الذي أنتجه، يستدير في الاتجاه الذي تحيكه واشنطن ليكون البيدق الأول في مستنقع النفاق للمشروع الأميركي بنسخته المعدلة، بعد فشل الأصلية منه.
ورغم أن ما نشر من تسريبات لم يسهب في التفاصيل، وإن حسم الجدل حول العناوين، فإن مواقف الأردن في الأسابيع الأخيرة ترفع من سقف الاستنتاجات والتفسيرات لجهة المعطيات التي برزت مؤخراًَ، في إشارة صريحة إلى بدء خطوات طالما كانت تتحرج منها في الماضي، وخصوصاً بعد تحديد الكونغرس الأميركي الأردن كجبهة معتمدة علناً لتسليح الإرهابيين في سورية.
بالتزامن.. كانت المعطيات تتحدث عن سعي الاردن الرسمي لنقاش المسألة من زاوية الرغبة الأردنية في تسريع خيار الوطن البديل، بعد ان كانت ترتعد من ذكره، وترافق بما نقلته بعض المواقع الإعلامية عن اعتداء مارسه حرس الحدود الأردني على مواطنين سوريين يقومون بالعمل في أراضيهم الزراعية المتاخمة للأردن!!
بالطبع، تتضح الصورة أكثر حين تتكشف حالة التصعيد المتواتر في كشف الأوراق المنتظر تتويجه في لقاء الملك الأردني وأوباما في الرابع عشر من هذا الشهر، للبحث في التسوية على المسار الفلسطيني، كما سيتطرق الحديث بالضرورة إلى ما يجري في سورية.
لسنا بوارد استرجاع الذاكرة فيما يخص الدور الأردني الرسمي الذي تعاطى بشقه الوظيفي على أكمل وجه، وسعيه المحموم وهو يتمسك بقشة عوامل وجوده المهدد على خلفية و التبشير بخارطة جديدة كانت الأردن أولى إحداثياتها القابلة للتعديل،
بعد أن تفوقت سابقاً على الدور السعودي ولاحقا على القطري، بدليل أن الأردن الذي يلعب فوق الطاولة وتحتها كان العرّاب لقنوات التباحث السري مع إسرائيل وأميركا على مدى أعوام وجوده، ويبقى كذلك في اللحظة الراهنة التي يتم فيها تحبير احداثيات خارطة المنطقة الجديدة.
ما يتضح من ذلك على الأقل في المدى المنظور، أن الأردن ووفقا لتطمينات أميركية ووعود إسرائيلية بالشراكة في إدارة دفة المنطقة وفق خارطة لا مكان فيها للمشكلة الفلسطينية، يتحضّر عملياً ليكون القاطرة التي تقود خيار الوطن البديل، باعتباره الممر الإجباري للتسوية المستحيلة بما يضيفه من عوامل وظيفية للدور الأردني.
هذا يتلاقى مع دلالة تسليح الكونغرس للإرهابيين من الجبهة الجنوبية، لتكون لحظة الصفر هي ذاتها التي يعلن فيها الأردن أنه نتيجة التحرشات والمخاطر التي يتعرض لها الأردن وحفاظاً على أمنه القومي يقوم بحالة دفاع استباقية!!
المثير في الأمر، أن الأردن يأخذ المسألة على محمل الجد المصيري، بل تشير بعض الأوساط الأردنية القريبة من الكنف الملكي إلى أنه تسلم النسخة الأولية أثناء زيارة نتنياهو، والتي تتضمن النقاط وحروف استحداث دور وظيفي يتلاءم مع الشرق الأوسط الجديد، الذي بات حاجة ضرورية ومسألة محسومة، بغض النظر عن هويته واتجاهه، وما هو المحور الذي سيفرض جهة انتمائه.
فجأة بات الأردن يمتلك حرس حدود يعتدون على مواطنين سوريين.. وفجأة بات الأردن لا يتحسس ولا يتوجس من خيار الوطن البديل.. وفجأة يسمع الحديث الأميركي ولا ينفي.. وفجأة يعلن عن زيارة الملك عبدالله إلى واشنطن.. وفجأة تقدم أميركا إجاباتها لماذا أوصلت جنيف إلى الحائط المسدود، ليكون الخيار تفجيراً على الأرض وإشعال جبهات تنتهي إلى طاولة تتقاسم من خلالها مراكز التموضع بنسخة لا تختلف في شيء عن نسخة سايكس بيكو إلا بالاضافات الوظيفية للدور الأردني.
اللعب الأردني بالنار يتجاوز التحرش المعتاد الذي يؤدي من خلاله وظائفه التقليدية، ولكنه هذه المرة لن يقتصر على إحراق أصابع الأردن سواء أكان بنسخته التقليدية أم المحدثة، لأن الاحداثيات التي يجري تحبيرها في الكنف الملكي هي جبهات اشتعال تُعدّها أميركا واسرائيل.
التاريخ يقول إن خرائط الأقبية السرية لا تتطابق مع الواقع في شيء، وليس من المستبعد ألا يجد العرش الملكي مكاناً له حتى في الهوامش الخلفية للخارطة الجديدة إذا ما اتسعت نيران الاشتعال.
a.ka667@yahoo.com