عبر عنه في اجتماع الجامعة العربية حيث تم سحب ممثلي المملكة في لجنة المراقبين وما استتبعه من التحاق خليجي بها وهو يشكل تصعيداً واضحاً وسلبيا وغير مسبوق تجاه سورية فالدبلوماسية السعودية عُرف عنها التأني والحيطة وعدم الانجرار غير المحسوب في الأزمات والتحول الآخر يتمثل في التوجه إلى مجلس الأمن لطلب المساعدة في تنفيذ ما سمي بالمبادرة العربية التي رفضتها سورية بشكل قاطع لما تشكله من مس بسيادتها وتدخل سافر في شؤونها الداخلية.
التحولان المشار إليهما يمكن وضعهما في إطارين، الأول هو أن الجامعة العربية تعيش حالة ارتباك وعجز حقيقي عن التأثير في مجريات الأحداث التي عصفت وتعصف بالمنطقة العربية لسبب بسيط هو أنها لم تعد تتصرف وتتعاطى مع ما يجري في الساحة العربية من تطورات دراماتيكية بإرادة مجمل أعضائها وإنما من خلال السطوة الخليجية عليها. فالملاحظ أن قطر المدعومة أميركيا وتمتلك ثروة مالية هائلة ونفوذاً قوياً ومؤثراً لقناة الجزيرة على الرأي العام العربي والدولي أصبحت تستثمر فائض القوة المالية والإعلامية لتنفيذ أجندة سياسية معينة تصب في خدمة المصالح الأميركية إلى درجة أنها تمارس نوعاً من أنواع الابتزاز السياسي لقادة الدول يصل إلى درجة الترهيب بالتهديد بالتركيز الإعلامي على الأوضاع الداخلية لتلك الدول وإثارة الرأي العام عليها إن لم تتخذ مواقف مؤيدة للتوجهات القطرية التي هي في جوهرها أميركية بامتياز وهذا ما هو واضح من خلال الحراك السياسي القطري غير المسبوق وفي أكثر من ساحة واتجاه، أما الإطار الآخر فهو سعودي، فالواضح أن المملكة التي انكفأت سياستها الخارجية ولم تعد تلعب ذلك الدور المأمول في المنطقة العربية والإقليم بشكل عام و بروز دور قطري مضخم تحرك في مناطق فراغها استطاع وضعها على الخريطة السياسية للمنطقة خاصة بعد اتفاقية الدوحة التي ساهمت في إيجاد حل للأزمة السياسية في لبنان إضافة لاحتضان أطراف الأزمة السودانية والمساهمة في حلها والسعي للدخول على خط الأزمة اليمنية كل ذلك أشعر السعوديين بتراجع دورهم لمصلحة الإمارة الصغيرة ما جعل المملكة تندفع لدور تريد أن تلعبه هو في جوهره لا يبتعد كثيراً عن الدور القطري في إطار فضائه الأميركي من الناحية الاستراتيجية، هذا الدور السعودي يمكن اقتفاؤه في أكثر من مشهد من المشاهد الساخنة في المنطقة ولعل أبرز تجلياته المبادرة السعودية فيما تعلق بالأزمة اليمنية والدور السعودي المتمثل بإرسال قوات عسكرية لإحباط الحراك السلمي في البحرين ومحاولة قمعه بالقوة المسلحة وتبقى النقطة الأهم فيه متمثلة في الموقف السلبي والمحرض فيما يتعلق بالأزمة السورية.
إن قراءة الدور الإقليمي في المشهد السوري يمكن إرجاعه إلى سبب جوهري يتعلق بلعبة تبادل الأدوار وتكاملها بين أطرافه ومركزه فالسياسة التي انتهجتها الإدارة الأميركية تقوم على قاعدة عدم لعب دور مباشر في الأزمة السورية لارتفاع الكلفة وعدم الثقة بتحقيق نجاح، فأوكل هذا الدور للشركاء الإقليميين فتنازعته كل من قطر وتركيا وبإسناد سياسي فرنسي ولما عجز التركي بتهديده ووعيده بممارسة خيار القوة العسكرية وعلى الرغم من احتضانه للمعارضة المسلحة وتوفيره ملاذاً آمناً لها ورعايته لمجلس اسطنبول ومحاولة تسويقه عربياً وأميركياً إلا أن سلته أفرغت من كل محتوياتها فجاء التركيز على الدور القطري وعبر بوابة الجامعة العربية والتلويح بالعصا الأميركية وإعلام النفط والدم، وبعد الفشل في مجلس الأمن اعتقد الأميركيون أن وزير خارجية قطر رجل المهمات الصعبة سيكون صاحب الرهان الناجح وهو الذي اختبر أميركياً في أكثر من موقف فأوكلت إليه مهمة إحالة سورية إلى مجلس الأمن متلبسة بجريمة اعتقد أن لجنة المراقبين الذين أرسلوا إلى سورية سيكونون أداة طيعة لتنفيذها ولكن تبين أن رياح لجنة المراقبين لم تجر كما اشتهت سفنه، هنا وعند هذه النقطة حضر السعودي الذي كان يجلس على مقاعد الاحتياط ليكون دوره إعطاء هذه الجوقة الإقليمية إكسير حياة ووقوداً إضافياً فكان سحب المراقبين الخليجيين وإطلاق ما سمي المبادرة العربية التي رفضتها سورية كما أسلفنا لأن الهدف منها هو إعادة تدوير الملف السوري ووضعه مرة أخرى أمام مجلس الأمن ولكن من منصة إقليمية عربية بهدف الضغط على أعضاء المجلس الذين استخدموا الفيتو في المرة الماضية بحجة أن المطروح على المجلس هذه المرة هو مبادرة عربية وليس مشروعا أميركيا وبالتالي على الدول الأعضاء تبنيه.
من هنا، يبدو جلياً أن ثمة إرادة لدى دول الخليج بتعقيد الأزمة السورية لا حلها بدليل الإحالة إلى مجلس الأمن ومحاولة استصدار قرار أممي ضدها فلو كان الهدف هو إيجاد مخارج للأزمة وحلها لكان موقف الجامعة العربية متوازنا وليس منحازا لطرف المعارضة الخارجية ومتبنيا لوجهة نظرها والتوازن في موقف الجامعة يمكن لحظه من خلال الطلب إلى أطراف المعارضة الخارجية ضرورة الانخراط في حوار وطني مع السلطة السورية والكف عن الارتماء في أحضان القوى الخارجية وطلب التدخل الخارجي إضافة إلى التزام الأطراف العربية والإقليمية بإنجاح اتفاق الدوحة وبروتوكول الجامعة فيما يتعلق بوقف التحريض الإعلامي والدعم المالي والعسكري للمجموعات المسلحة التي تعبث بالأمن والاستقرار في سورية.
إن على الجميع أن يعلم أن ما عجزت القوى المتآمرة عن تحقيقه من خلال أعمال العنف والضغط السياسي والتحريض الإعلامي والحصار الاقتصادي لا يمكنها أن تحققه من خلال قرارات الجامعة العربية ولا من أي جهة أو منصة دولية مهما كانت؛ فحل الأزمة لا يمكن أن يكون إلا سورياً في شكله ومضمونه وبما يخدم المصالح العليا للبلاد وينسجم مع خطها السياسي المعروف للجميع.
khalaf.almuftah@gmail.com