وضمن له لقب «الأستاذية» في فيلم يحمل هذه الصفة, فبين الولادة في يبرود مطلع القرن الماضي, الى الوفاة قبل سبع سنوات ,عقود طويلة أمضاهاالمقدسي في نحت علامات المثقف, وصوغ نظريات في الثقافة والعلم والمعرفة, وبين الصرخة الأولى وساعة الرحيل كانت القلوب تتآلف حوله وعنه, اللهم باستثناء شواذ القاعدة.
هل يحتاج المقدسي إلى مناسبة لإعادة نبش اسمه وإعادة إحيائه في سطر أو سطرين؟ السؤال الصحيح هل أصبح اسمه ومؤلفاته طي النسيان ما يفرض علينا محاولة تذكره من جديد؟.
نذكر «الأستاذ» ليتعلم منه المتعلمون كيف أن الزهد في الشهرة والمال ينعكسان, عند بعض الزّهاد, ثراء معنويا لايقل قيمة عن الثراء المادي , فهو ومنذ دخل دائرة الترجمة في وزارة الثقافة انشغل, ولمدة خمسة وثلاثين عاما, بتحقيق القيم المعرفية, وبإضافة الكثير من التآليف والترجمات إلى المكتبات العربية, وفي تلك العقود كان بيته في دمشق مركزاً ثقافياً بكل ماتحمله هذه الكلمة من زخم الحوارات والنقاشات والأسئلة.
انطون مقدسي المفكر والفيلسوف كان سورياً بامتياز, ولربما تعاليه عن الانغلاق , وميله الشديد الى رحابة الفكر منحاه الجناحين اللذين حلق بهما محليا وعربيا وعالميا, فقد كان النموذج الأنقى عن المثقف الذي يحتوي الآخر ولايقصيه , يحاوره ويختلف معه ولايعاديه. مقدسي من أولئك الرجال الذين تضيق عليهم سنويات الرحيل وذكراها.