وليبقى كل ما يجري العنوان الوحيد والأبرز للرعونة والطيش والخفّة والجنون.
من المؤكد أن السعودية مثّلت حالة فساد يتعاظم مع مرور الوقت منذ عقود طويلة، ومن الثابت أنها كيان يعيش خارج العصر ومعاييره منذ تم إنشاؤها، ومن المُسلّم به أنها كانت وما زالت الأداة والذراع لقوى خارجية ولمشاريع استعمارية تستهدف فلسطين والمنطقة، ومن المعروف أنها أدّت دوراً وظيفياً وأدواراً مساعدة لم تكن غايتها يوماً سوى خدمة إسرائيل والمصالح الغربية والأميركية.
والحال كذلك، فإن كل خطوات السعودية الداخلية والإقليمية والدولية الحالية لا تعكس في الواقع إلا مساراً أميركياً واحداً تُحاول واشنطن من خلاله تظهير السعودية بوجه جديد لتؤدي دوراً جديداً أكثر أهمية ووضوحاً تُجسده حالة الانتقال بالعلاقة بين السعودية وإسرائيل من السرية إلى العلنية، ومن التعاون إلى التحالف.
في البحث عن الأسباب التي جعلت الولايات المتحدة وإسرائيل والسعودية تتقدم بوقاحة غير مسبوقة على مسارات التفجير والعلنيّة واللعب بأوراق مكشوفة، قد لا يكون الفشل والإخفاق هو السبب الذي يختزل بقية الأسباب، لكنه يبقى الأهم الذي دفع لذلك وللرعونة الحاصلة في التعاطي مع الملفات والأزمات الناتجة عن السياسات العبثية، لتُمثّل قدرة الخصم -الذي تستهدفه هذه السياسات- على تكسير سهام الاستهداف وردها، سبباً بارزاً بين الأسباب الأخرى التي تقود المهزومين للرعونة وحالة الجنون والهستيريا الماثلة.
انتخاب لبنان ساحة للمواجهة ونقلها إليه على نحو ما جرى مؤخراً لن يُنقذ السعودية في اليمن، ولن يعدل الوضع بالبحرين، ولن يغير المعادلات في العراق، ولن يبدل النتائج بسورية، ولن ينجح بإخضاع قطر شريك السعودية برعاية الإرهاب، وبالتأكيد لن يغطي على أزمة الداخل أو يجعلها تمر بسلام، فنار الخلافات داخل العائلة الوهابية المستبدة الفاسدة جمر تحت رماد سيشتعل عاجلاً أم آجلاً.
رعونة السعودية قد تكون انتحاراً تعددت أسبابه، لكن ذلك لا يُلغي احتمال أن يكون نحراً أميركياً لها اليوم، وغداً لشقيقاتها في الخليج المتعفن، افتتاحاً لمشروع بديل أو تعويضاً عن مشروع فشل بتفتيت المنطقة خدمة لإسرائيل ويهودية الكيان على طريق تصفية القضية الفلسطينية التي ستُبقيها سورية ومحور المقاومة حاضرة أبداً تنبعث منها الحياة وفيها، وتُعلن الانتصار على المشاريع البديلة وتلك التعويضية.