فلا البائع راضٍ ولا الشاري، لا التاجر مُقتنع، ولا المستهلك، لا المنتج ولا الوسيط..! فأي سياسة تسعيرية هذه التي تحاول التجارة الداخلية أن تفرضها قسراً على واقعٍ لا يتقبّلها - على ما يبدو - ولا ينسجم معها إطلاقاً..؟! حتى إن الكثير من المستهلكين المُستَهدَفين في هذه العملية - إن لم نقل كلهم - بالنهاية صاروا ينظرون بعين الاستغراب لإجراءات الوزارة السعرية، بل الاستخفاف بها، لأنها بالنهاية لم تستطع أن تفعل شيئاً ملموساً مُرضياً، لا بل فإنها - أي الإجراءات - باتت عاملاً مُحرّضاً لخلق أزماتٍ جديدة لم تعد مقبولة، حيث قضيناً سنين الحرب ولم نقع بها، أقلّها اختفاء بعض المواد المستهدفة بالتخفيض القسري، أو التسعير الإداري، أو شحّها على الأقل، والامتناع عن تداول بعض المواد الأخرى، وقد شكّلت هذه الحالات امتعاضاً كبيراً عند المستهلكين الذين انتاب الكثيرون منهم شعوراً (بقلّة القيمة) بل الدونيّة أيضاً من خلال تصويرهم - عبر هذه الإجراءات - بأنّ همهم بات ينحصر بقضايا سخيفة كالشاورما، أو علبة المتة، أو فطيرة الجبن، والمحمّرة، ومنقوشة الزعتر..! حيث غدت مثل هذه المواد الاستهلاكية غير الأساسية - والتي لا طعم لها أصلاً أمام احتياجات الحياة، كالإنفاق على الصحة والتعليم، والملابس، والخضار والزيوت، والسكن، والنقل والاتصالات - غدتْ محور تداول الحديث بين الناس، لتُسجّل انخفاضاً ذريعاً بمستوى الحديث والحوار الذي صارت تشوبه الخلافات أحياناً بين البائعين والمستهلكين، فكلٌ صار يريد حقه المفقود..! لا البائع يستطيع أن يعمل بخسارة، ولا الشاري يقبل بأعلى من السعر المحدّد، وتعالي يا وزارة حليها إذا كانت تُحَلّ.
مؤسفٌ هذا الواقع الذي وصلنا إليه، ومؤسفة هذه الإجراءات الفاشلة، في فرض أسعارٍ إدارية لا علاقة لها مع الواقع على ما يبدو..!
إن كانت الحكومة لا تنوي رفع الرواتب والأجور لتأمين دخلٍ منسجمٍ مع الأسعار، ورفع مستوى المعيشة، التي يُقرّها الدستور في المبادئ الاقتصادية، ولا تنوي تخفيض أسعار الوقود، ليعمّ تخفيض الأسعار على أغلب المواد الاستهلاكية، فإنّ الأولى بوزارة التجارة الداخلية أن تستثمر أذرعها وقواها، ولا سيما ( السورية للتجارة) وتكثّف عمليات التدخّل الإيجابي بقوة وسرعة عبر منافذها، وتدع بعدها السوق يحدد الأسعار عبر منافسة شريفة، وراكناً لقانون العرض والطلب، لتجد أنها استطاعت بذلك أن تفرض وبشكلٍ تلقائي تخفيضاً منطقياً للأسعار، أما هكذا فهي فقط.. قد زادت الطين بلّة..!