منتظراً طعنة الغدر على يد ابن عمه غير القادر على تفهم معنى وعمق المشروع الحضاري الذي ظل يداعب خياله طويلاً وهو يسعى لإقامة كيان سيادي لأبناء قومه يواجه فيه القوى الطامعة بمقدراتهم شمال وشرق وغرب شبه جزيرة العرب.
وفي المقابل يجر الملك الضليل أذيال خيبته في ملك أبيه الذي ضاع وهو يعاقر الخمرة ويلهث خلف الغواني، فيذهب بعيداً في تبعيته ساعياً لاستعادة عرش أبيه مستقوياً بالقيصر الروماني ساعياً لموافقته على التدخل العسكري فجاءه الرد واضحاً عبر العباءة المسمومة التي أوقعته بالطاعون فمات قبل أن يبلغ ديار أهله وذويه.
تحضرني الصورتان بأجلى وأوضح معانيهما في واقع حالنا إذ يذهب الإخوان وأبناء العمومة مذاهب مختلفة ومتباينة، فيما لا يزال الروم يحتلون الأرض ويعيثون في الأرض فساداً ويقتلون ويتوسعون، دون أن يجدوا رادعاً أو ممانعاً، بل ويرفلون في أثواب الفرح وهم يتركون الإخوة العرب يقتلون بعضهم بعضاً دون إن يكلفوا أنفسهم عناء قتالهم.
أراني أرى جدي كليباً يمضي أوقاته في البحث عن أفضل الوسائل لجمع كلمة القبائل المتفرقة من أبناء قومه على كلمة واحدة عبر تخليصهم من القيم البالية التي جعلت منهم جماعات متقاتلة تختلف على الماء والكلأ وتخضع لسيطرة دول الجوار وتدفع لها الجزية متناسية وجودها وأهميتها وأهمية الأرض التي تزرعها وتعمر مدنها وقراها.
لقد كان له شرف المحاولة التي فشلت وتركت تغلب وبكراً في حرب لأربعين عاماً لم تنته إلا مع سقوط صاحب الطعنة الغادرة، تلك الطعنة التي أفشلت مشروعاً كان يمكن له أن يغير كثيراً من صيرورة التاريخ وعلاقات الناس في فترة ما قبل الإسلام.
وتمضي السنون، وتتعاقب حوادث التاريخ مسجلة تماثلاً ما بين حالتي كليب وامرئ القيس وما تمثلانه من صراع بين الحق والباطل، والصحيح والخطأ، لكن النهايات كانت ذاتها سواء مع الفرنجة أم التتار أم المستعمرين الأوروبيين، ومن بعدهم الإمبريالي الأميركي وصنيعته وكيان العدوان الصهيوني.
وفي كل الحالات كان ثمة من يتداعى للوقوف إلى جانب البغي والغي زمناً، ظناً منه بإمكانية تغيير حقائق التاريخ التي تعطي الباطل جولة لكن النصر في النهاية لا بد إلا أن يكون في جانب الحق.
واليوم تمضي الأحداث وفق صيرورة التاريخ ذاتها فنرى حجم التكالب على سورية التي تمثل جانب الحق والسيادة والكرامة والعزة ونرى حجم التآمر الأسود على جوهر العروبة وحضارتها سعياً لإسقاط تاريخ طويل من العطاء للحضارة الإنسانية.
والآن كيف ستكون النهايات!؟
وإلى أين ستمضي الأحداث المتداخلة؟
يقيناً مؤكداً أن أتباع جساس سينتهون بالطريقة ذاتها فاتحين الباب أمام حالة جديدة ينتصر فيها الحق، وتستعاد حالة الصفاء والأمان في ظل سيادة كاملة ومشاركة شاملة، ومساواة في الحقوق وتكافؤ في الفرص، وعدالة كاملة في الحقوق.