في زمن الشهيد، يكتسي الاستحقاق التشريعي بعداً إضافياً، يضفي عليه أهمية استثنائية، ويطلق في الأفق العهد الجديد، ليكون حداً فاصلاً بين مرحلة مضت وأخرى قادمة بخطواتها الواثقة، وبإرادة أكدت وفاءها للوطن ولكل من بذل في سبيله.
قد تبدو المقاربة في هذا السياق هي الأكثر إلحاحاً، وربما كانت الأولوية المطلقة على ما عداها.. حيث يشكل الوجدان الشعبي الحاضن الفعلي للشهادة، ويمثل في الآن ذاته السياق المنتج لها، وهي تحاكي في الصميم المشهد الشعبي الذي يتطلع إلى تفاعل خلاق لا يشبه ما سبقه، لكنه يؤسس لما هو آت، انطلاقاً من هذه الإرادة.
لاشك، أن قائمة المطالب والأولويات تتزاحم.. وقد نجدها في بعض الأحيان في الواجهة الأساسية بحيث يصعب تجاهلها أو تجاوزها، لكنها حين تكون مع الشهيد والشهادة نستطيع أن نجزم بأنها تمتلك كل المقومات التي تدفع بها لتكون موضع الاهتمام الأول، ودون منازع.
هكذا تجذرت فينا قيم الشهادة.. وهكذا زرعت في الوجدان السوري حضورها الدائم.. خصوصاً في هذه الأزمة التي أرخت بظلالها على الكثير من القضايا والمعطيات، ودفعت إلى إحداث تغييرات في المشهد ودفعت بقيم الشهادة لتكون العنوان الجديد.
في ظل هذا التزاحم، لابد للاستحقاق التشريعي أن يأخذ حيزه الواضح، وأن يكون التلاقي مع الشهادة حافزاً لعهود جديدة، لا تقتصر على تفعيل الدور التشريعي والمشاركة الواسعة تعبيراً عن الانسجام مع الذات والإرادة، بل أيضاً في أن يكون عطاؤهم الحقيقي نقطة مضيئة نستمد منها عوامل الإدراك بضرورة أن تكون المشاركة أحد العناوين المشتركة مع الوفاء للشهداء والشهادة.
وفي الاستحقاقات الوطنية الكبرى، تأتي الإضافات على الأغلب، لتكون منهج عمل، لا يكتفي بما تمليه هذه الاستحقاقات، وإنما أيضاً بما تقدمه المناسبة من معانٍ جوهرية تعطيها المزيد من الحضور والفعالية.
لذلك، نستطيع أن نجزم أن الحراك الذي سبق موعد الانتخابات كان حراكاً إيجابياً على المستويات المختلفة بل شاهداً على إرادة وطنية حقيقية في العبور إلى مرحلة الإصلاح والتجديد ليس في القوانين والتشريعات فحسب، وإنما أيضاً في الممارسة التي تنطلق من قاعدة الإيمان الراسخ، بأن الوطن في الأزمات وفي الصعاب وفي المحن تكون الحاجة إليه أكبر.. ويكون التفاعل مع متطلباته أوسع.
وهذا ما تعكسه المنافسة الواسعة وعدد المرشحين ومراكز الاقتراع التي امتدت لتغطي كل بقعة في أرض الوطن، وهذا ما ستترجمه إرادة السوريين في صناديق الاقتراع، عبر التلاقي والتمازج مع يقين الشهيد بأن سورية ستبقى كما هي في وجداننا، وأنها ستخرج منتصرة بتضافر إرادة أبنائها..
لذلك، كان يقين الشهيد عهداً يتقاسمه مع كل سوري يؤمن بوطنه، ويدرك أن الغد لابد أن يكون أفضل عبر خطواتنا الإصلاحية، وبرامج العمل التي تنتظرنا كي تكون سورية التي نحب، والتي نرغب.. وسورية التي ضحى من أجلها شهداؤنا بأغلى ما يملكون لتبقى حرة كريمة وقوية.. وسورية التي يجب أن نعبّر من خلال صناديق الاقتراع والمشاركة الواسعة فيها عن تمسكنا بها كما نريدها نحن .. وفقط نحن!!
a-k-67@maktoob.com