واليوم تخوض إدارة أوباما مثل هذا المخاض على مستوى الحرب الإرهابية في سورية بشكل خاص وفي العالم عموما، حيث يصدر الشيء ونقيضه عن هذه الإدارة في الوقت نفسه بالتزامن مع بروز خلافات تطفو أحيانا على السطح بين المؤسسة السياسية ونظيرتها العسكرية، الأمر الذي يفسره أو يدرجه بعض المحللين والمراقبين في سلة البرغماتية الأميركية.
واقع الأمر وما نشاهده على الأرض لا يعكس هذا الواقع إطلاقا، بل يؤكد ما يذهب إليه الكثيرون من سياسيين وغيرهم حول معاناة إدارة أوباما في الموازاة بين ما تريده سياسيا وما تستطيع تحقيقه عسكريا.
ويأتي الرئيس الأميركي باراك أوباما في مقدمة إدارته في اتخاذ القرارات المتناقضة، فتارة يعلن بدء تدريب «المعارضة المعتدلة» في سورية، وبعدها يوقف برنامج التدريب، وأحيانا يبدي استعداده للتعاون مع روسيا في حل الأزمة، وفي اليوم نفسه يصرح بما يحول دون هذا التعاون، والكثير من التناقضات نلحظها في العديد من المفاصل في الإدارة الأميركية.
آخر شواهد الرئيس أوباما في هذا الشأن هو نقضه لتعهده في منع إرسال جنود اميركيين لخوض المعارك على الأرض في الشرق الأوسط، وها هو يفعل ذلك باعلانه ارسال «أقل من 40 جنديا» لمساعدة القوات التي تحارب «داعش» وفق ما صرح به وزير الدفاع الأميركي اشتون كارتر مع الإشارة إلى أن كل المسلحين الذين دربتهم الولايات المتحدة وجدوا طريقهم إلى تنظيمي «داعش والنصرة» الارهابيين بعد انتهاء تدريبهم، وكان أوباما نقض تصريحه بسحب القوات الأميركية من أفغانستان وأبقى هذه القوات هناك.
غرابة القرار الأميركي لا تأتي فقط من سمة التخبط، بل من الأهداف التي تسعى إدارة أوباما الى تحقيقها من وراء ارسال نحو ثلاثين جنديا إلى مناطق لم تحددها في شمال سورية.
الاعتقاد السائد أن الرئيس الأميركي يحاول تحقيق مرام سياسية من وراء هذه الخطوة «الهوليودية»، وخاصة أن الإعلان عن ارسال الجنود الاميركيين جاء مع انعقاد اجتماع فيينا والنشاط السياسي الروسي لإيجاد حل سياسي للأزمة في سورية يكون تتويجا للقضاء على الإرهاب فيها.
الأمر الآخر الذي يشير إلى الهدف السياسي من ارسال الجنود هو الخلاف بين أوباما ووزارة الدفاع الأميركية حول جدوى هذه الخطوة وحديث وزير الدفاع عن المخاطر التي تتهدد حياة الجنود، الأمر الذي لم نعهده في مثل هذه الحالات على مستوى اتخاذ القرارات في المؤسسات الأميركية.
أما الشيء الذي يشير إلى أن قرار ارسال أقل من أربعين جنديا أميركيا الى شمال سورية مجرد حبر على ورق وسيواجه عقبات عند وضعه في التنفيذ فهو عدم تحديد المكان الذي من المفترض أن تذهب إليه القوات، ومن هي القوات التي تحارب «داعش» على الأرض غير الجيش العربي السوري.
وإذا كان القرار الأميركي من ارسال القوات إلى شمال سورية يهدف إلى الرد على روسيا، وتسجيل عمل استباقي فذلك سيصب في دعم الإرهاب، كما الت اليه كل الخطوات الأميركية، وخاصة تدريب مقاتلين ورمي السلاح بواسطة الطائرات، حيث كان تنظيم «داعش» هو المستفيد الوحيد من هذه التصرفات العدوانية.
الأيام القادمة ستكشف الهدف الأميركي الحقيقي من تحركها في الوقت الضائع، والذي لا يستبعد أن تكون له غايات لوجستية لمساعدة «داعش» على الصمود بدلا من العمل على القضاء عليه.