وبحكم اختلاف الدوافع والخلفيات التي تنطلق منها القراءات والتحليلات ثانياً.
وحتى يكون ممكناً الحكم على نجاح أو فشل «جنيف» ينبغي العودة أولاً إلى السؤال : لماذا كان «جنيف الأول» وما الظروف التي أنضجت «جنيف الثاني»، ذلك أن هذا السؤال بشقيه يبدو مهماً للغاية لأن من شأن الإجابة عنه أن توضح قصة النجاح والفشل التي تلتصق بالأطراف وليس بالمؤتمر ذاته.
المؤتمر بذاته - أي مؤتمر - لا ينجح ولا يفشل، وإنما يفشل وينجح أحد الأطراف المشاركة فيه عندما يسعى لفرض رؤيته وأجنداته على بقية الأطراف؛ وهو الأمر الذي قد يفشل المؤتمر؛ أو يجعله يبدو كما لو أنه فشل كمؤتمر، وفي حالة جنيف ليس هناك من استثناءات، فالولايات المتحدة ذهبت مع الغرب وأدواتها في تركيا والخليج إلى جنيف لأنها فشلت في العدوان على سورية؛ ولأنها فشلت بالوصول لاستخدام الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة ضدها.
لا شك أن الفيتو الروسي - الصيني المزدوج والمتكرر أفشل العدوان الأميركي المباشر على سورية، لكن صمود سورية الدولة والشعب أجهض مشاريع الإسقاط والاستهداف وقلب معادلات إقليمية ودولية كانت حتى الأمس القريب قائمة وفاعلة؛ وهكذا كان الذهاب إلى جنيف لزاماً على واشنطن وأتباعها؛ وكانت محاولة حشر البند السابع في بيان جنيف الأول محاولة للتعويض عن فشل اللجوء للفصل السابع من الميثاق الدولي.
وما بين جنيف الأول والثاني ارتطمت واشنطن والأذيال القذرة التي تجرها خلفها بالحائط، ,وعندما ثبت لها ولجوقتها ثبات سورية في الميدان وقدرة جيشها وشعبها على كسب المعركة ضد الإرهاب، اكتشفت الولايات المتحدة أن الذهاب الى جنيف من جديد أمر لا بد منه عسى ولعل التلاعب بالبند السابع ينتشلها من الورطة.
والحال كذلك؛ فإن أميركا فشلت حتى الآن؛ وربما باتت مقتنعة بأن البند السابع من بيان جنيف - كما تفهمه وتحاول التلاعب به - سيتلاقى في المصير مع الفصل السابع من الميثاق الدولي الذي أصبح استخدامه أميركيا من الماضي؛ وبالتالي فالفشل والإخفاق يكاد يكون النتيجة الحتمية لمحصلة الحركة الأميركية البائسة باتجاه جميع البوابات وتحت كل العناوين بما فيها العناوين الإنسانية التي تحاول من خلالها النفاذ إلى مجلس الأمن الدولي مجددا.
حتى الآن قد يكون بات من الثابت أن «جنيف» نجح في تظهير النفاق والدجل الأميركي - الغربي؛ وفي تعرية الأدوات الوهابية الإخوانية الرخيصة؛ وبكشف الحقيقة القذرة لائتلاف الدوحة من جهة، ونجح من الجهة الأخرى في تظهير قوة وثبات سورية ومحور المقاومة في المواجهة على الجبهة السياسية والدبلوماسية؛ وعلى جبهات الحرب والقتال ضد التنظيمات الإرهابية المصنعة حصرياً باليد الأميركية، وهو ما يظهر في النتيجة الكلية فشل المشروع الأميركي بالهوية؛ الصهيوني بالغاية؛ والوهابي الإخواني بالتنفيذ.