| بوصلة السياسة الأميركيةإلى أين؟ إضاءات مصر وسورية إلى جانب أمريكا إبان فترة الحرب الباردة وضمن مشروع استراتيجي أمريكي أطلق عليه آنذاك مشروع إيزنهاور لسد الفراغ في المنطقة، وكانت إسرائيل هي العقبة الحقيقية وراء فشل تلك العلاقة لأن الإدارة الأمريكية حاولت الجمع بين متناقضين بمحاولتها استمالة العرب إلى جانبها والوقوف إلى جانب الكيان الصهيوني المعتدي، وهذا يبدو من المستحيلات في السياسة, واليوم وبعد مرور أكثر من خمسين عاماً على ذلك تبدو الإدارة الأمريكية أمام تحد مشابه لذلك، فالواضح أن الإدارة الأمريكية الجديدة ونتيجة للوضع الذي وجدت أمريكا نفسها فيه من ترد اقتصادي وكراهية على مستوى الرأي العام العالمي نتيجة للسياسات الحمقاء التي ارتكبتها الإدارة السابقة تبدي رغبتها في خطاب تصالحي مع دول وشعوب العالم، يتأسس على مفردات جديدة وربما سلوك جديد يستبدل فيه ما كان يطلق عليه الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت عبارته المشهورة «تكلم برفق واحمل عصا غليظة» تكلم برفق واحمل روحاً جديدة وهو ما درج عليه الرئيس الأمريكي باراك أوباما في أغلب كلماته وتصريحاته، وخاصة ما تعلق منها بالمنطقة العربية. ويبدو واضحاً أن سياسة اسرائيل العدوانية تقف في وجه هكذا توجه وذلك من خلال خطابها وسلوكها الذي يحاول أن يلعب اللعبة نفسها مع الإدارات الأمريكية المتعاقبة منذ قيام الكيان وحتى الآن، وهذا ما يظهر من خلال استرجاع مقطع تاريخي للصراع العربي الصهيوني، فعلى الرغم من تبدل الأحزاب التي تعاقبت على حكم الكيان من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار وكذلك تبدل الحكومات الأمريكية بين جمهوريين وديمقراطيين ، ومع تبدل الظروف الدولية من حرب باردة إلى ما يسمى نظاماً دولياً جديداً حاولت من خلاله أمريكا إحكام قبضتها على دول العالم إلى الحروب التي شنتها إسرائيل ضد العرب، وكذلك الحروب التي هُزمت فيها كحرب تشرين وعدوان تموز عام 2006 إلى وجود قيادات فلسطينية صنفت حمائم وصقورا، فالثابت في كل ذلك أن الصهاينة يراهنون دائما على الزمن الذي يرون فيه استهلاكاً للآخر وإضعافاً لموقفه إلى الدرجة التي تجعله يقبل بكل شروطهم، ولعل هذه المسألة جزء من عقيدة إستراتيجية صهيونية سارت عليها الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة. أمام هذا الواقع لابد من طرح المزيد من الأسئلة تتعلق أساسا بالعناصر التي تجعل ذلك الكيان يتخذ مثل هكذا مواقف، وهنا يمكننا أن نضع بالحسبان العديد من القضايا، البعض منها يتعلق بأمريكا الحامي التاريخي للكيان وإسرائيل ذاتها، والبعض الآخر يتعلق بالعرب، فعلى الصعيد الأمريكي تبدو الساحة الأمريكية بكل مكوناتها البيئة المثلى التي ينشط فيها الكيان من خلال استطالات جماعة الضغط في المجتمع الأمريكي إضافة إلى السيطرة الإعلامية الصهيونية، ناهيك عن تقاطع المصالح بين أمريكا وإسرائيل إلى درجة أن الكثير من الأمريكيين أفراداً ومؤسسات يعتبرون ما يسمى أمن إسرائيل جزءاً لا يتجزأ من الأمن القومي الأمريكي. وعلى الضفة الأخرى تبدو الوضعية العربية وخاصة النظام السياسي العربي غير قادر على تشكيل موقف عربي استراتيجي وضاغط على الطرف الآخر وخاصة أمريكا ،علما أنه يمتلك أوراقا مهمة وقادرة على التأثير الفعال في مجرى الصراع سواء في ساحته المباشرة أم على الساحة الأمريكية ذاتها وهذا ما لمسناه في حرب تشرين التحريرية عندما استخدم سلاح النفط للضغط على أمريكا والدول الأوروبية التي ساندتها في عدوانها على العرب وكذلك قبيل انعقاد مؤتمر مدريد للسلام عام 1991. وانطلاقا من الفرضيتين يمكن التأثير الإيجابي وليَّ ذراع قادة الكيان من خلال العمل والتأثير في البيئة الأمريكية الداخلية التي يبدو أنها وحتى الآن غير مهيأة لتبدل من قناعتها إلا إذا استشعرت بجدية الخطر الذي يتهدد مصالحها ويصب في خدمة المصلحة الأمريكية العليا، خاصة أن المتابعين للشأن الأمريكي يتحدثون عن سماع لغة تشير إلى أن اللوبي الصهيوني يقدم مصالح إسرائيل على مصالح الولايات المتحدة عندما تكونان في حالة من التقابل وأن تياراً يمثله وزير الدفاع بيل غيتس وجيمس جونز مستشار الأمن القومي الأمريكي ينحو بذلك الاتجاه، إضافة إلى أن الرئيس الأمريكي نفسه يحمل رؤية مشابهة لذلك. وعلى أي حال وبعيداً عن الاستنتاجات القريبة والبعيدة والتحليلات المختلفة والقراءات المتعددة لمسار العملية السياسية في المنطقة في حديها التفاؤلي والتشاؤمي، فإن المساحة المشتركة تميل إلى ترجيح حالة التفاؤل على الأقل في بنية ولهجة الخطاب الأمريكي الذي يحاول القطيعة مع الخطاب البوشي الذي عمل على إدخال العالم في أتون حروب أشبه ما تكون بالحروب التي مزقت أوروبا في القرنين الثالث عشر والرابع عشر عبر تبنيه لأطروحات صموئيل هانتغتون وبرنارد لويس, وليو شتراوس, وهارفي مانسفيلد, وغيرهم من منظري المحافظين الجدد. إن القطيعة مع ذلك الخطاب يستلزم القطيعة مع تجلياته وتمظهراته ، وهنايبرز الكيان الصهيوني النموزج الحي لذلك، وهذا يوجب على الادارة الامريكية كي يكتسب خطابها الجديد مصداقية ، سياسة جديدة في المنطقة تنسجم مع مبادئ الشرعية الدولية وهذا ما يتناقض تماماً مع السياسة الرعناء التي كان أبلغ تعبير لها ما ورد في خطاب رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو مساء أمس والذي يشتم منه رائحة العنصرية والحقد والرفض لكل مستلزمات عملية السلام.
|
|