لكن لعبة النقود تغيرت الان لان قوة القرارات الاقتصادية تأتي من القوة الاقتصادية وهذا ما اكدته السيدة مارتين بولار الباحثة الاقتصادية ورئيسة تحرير لوموند ديبلوماتيك بان الرئيس الصيني السيد هو جينتاو هدد الرئيس الامريكي السابق جورج بوش بعد الازمة الاقتصادية العالمية بان الصين ستتوقف عن شراء اذونات الخزانة الامريكية اذا لم تقم الادارة الامريكية بانقاذ الشركتين العملاقتين العقاريتين فاني ماي وفريدي ماك والسبب ان الصين تمتلك قروضا بمقدار 596 مليار دولار ولديها سندات خزانة بمقدار 922مليار دولار وتأتي في المرتبة الثانية بعد اليابان لكنها في المرتبة الاولى في احتياطياتها النقدية من الدولارات الموجودة في مصارفها وهي بحدود 2000 مليار دولار اي ما يزيد على 60٪ من ناتجها الاجمالي واصرارها على انقاذ الشركتين المذكورتين هو لضمانة قروضها وهذه اصول اللعبة اي ان امريكا لم تعد اللاعب الوحيد في عالم الاقتصاد والمال ولم يعد بامكانها ان ترسم معالم حركة رأس المال العالمي وهذا ما اكده اغلب رؤساء دول العالم في الاجتماع الثالث والستين للجمعية العامة للامم المتحدة في 24/9/2008 اي بعد ثمانية ايام من انهيار بنك ليمان برادذرذ وحملوا السياسة الامريكية المسؤولية عن الازمة المالية الحالية وخاصة نصائح جورج بوش المملة والمتكررة حول فضائل اعتماد نهج اقتصاد السوق الحر وديموقراطية الدبابات وحماية بل سلب حقوق الانسان ..الخ
كذلك اتسمت احاديث المسؤولين الماليين الصينيين بالسخرية عند مناقشتهم للسياسة المالية الامريكية فمثلا ان السيد ليو مينكانغ رئيس اللجنة التنظيمية للاعمال المصرفية قال عندما خفض المشرعون الامريكيون مقدار السداد الى الصفر او عندما استحدثوا ماسموه الرهون العكسية نظرنا الى ذلك بعين السخرية والسخف ونحن نقول للمراهنين على النمط الامريكي كما قال السيد ستيفن روتش وهو رئيس فرع شركة مورغان ستانلي في اسيا التي تعتبر من اكبر الشركات المالية ان امريكا ارتكبت أخطاء فادحة في السياسة المالية وان البنك المركزي الامريكي اي بنك الاحتياطي الفيدرالي شجع على الانغماس في النمط الاستهلاكي لكن هذا الانغماس اقتصر على قلة من الامريكيين فان 1٪ من الامريكيين بأيديهم 20٪ من الدخل القومي الامريكي بينما ارتفعت الدخول المتوسطة بمقدار 0.1٪ سنويا فقط بين عامي 2000 و2007 وهذا ما دفع الناس الى الاقتراض من المصارف لسداد تكاليف حياتهم وتوجه الاغنياء الى الاستثمار في الخارج مما اضطر الولايات المتحدة لتغطية متطلباتها المعيشية عن طريق زيادة المستوردات وخاصة الصينية وتخفيض الصادرات مما سبب زيادة كبيرة في العجز التجاري وبالتالي فاللعبة المالية الحالية تكمن برأينا بين الصراع السياسي والغزل الاقتصادي بين الصين وامريكا لان كثيرا من الاسئلة تطرح نفسها بنفسها ومنها على سبيل المثال لا الحصر ما هو مصير الاف المليارات من الدولارات التي في حوزة الصين اذا استمر الدولار في تدهور قيمته ؟! والى متى تستطيع الصين المحافظة على سعر الصرف بين الدولار واليوان ؟! وهل يمكن لامريكا ان تقدم على اي خطوة نحو ايجاد نظام مالي عالمي من دون الموافقة الصينية ؟! وهل يمكن الاتفاق على عملة دولية تحل محل الدولار الذي سيطر على العملات الدولية منذ اتفاقية بريتون وودز عام 1945 وترسخت سيطرته مع مشروع مارشال الامريكي لاعادة اعمار اوروبا ؟! وهل نعود الى افكار الاقتصادي البريطاني جون ماينارد كينز بضرورة تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية؟!
وهل تسعى القوى الاقتصادية المتصارعة لايجاد عملة جديدة متفق عليها من قبلها كما اقترح العالم الاقتصادي كينز في عام 1945 واطلق عليها اسم البانكور؟! ولكن من جهة اخرى فان موازين القوى الاقتصادية تغيرت فلم تعد عملة العملات وخاصة مع انخفاض قيمته تراجع حجم المعاملات الدولارية العالمية بمقدار 10 نقاط تقريبا من 71.2٪ عام 2000 الى 62،4٪ عام 2008 وارتفع نصيب اليورو من 18.3٪ الى 27٪ وهذه كانت اكبر هدية يقدمها جورج بوش للشعب الامريكي ؟! وبدأت الصين تسعى للخروج من هذه المشكلة من خلال عقد اتفاقيات مع القارة السمراء وغيرها من الدول مثل ( فنزويلا - روسيا - العراق - ايران - اليابان - الهند ) واقتراحها لاقامة صندوق نقد اسيوي بالاشتراك مع اليابان وكوريا الجنوبية بمبلغ 80 مليار دولار للمحافظة على الاستقرار المالي دون الحاجة الى صندوق النقد الدولي اي كما عملت دول امريكا الجنوبية ( الارجنتين - بوليفيا - البرازيل - الاكوادور - باراغوي - الاورغواي - فنزويلا ) لاحداث بنك الجنوب للخروج عن نظام بريتون وودز.
وكذلك اقرت كل من الارجنتين و البرازيل التعامل بالعملة المحلية للتقليل من التعامل بالدولار وتسعى روسيا لاثبات ذاتها على المسرح الاوروبي ولا سيما انها تتحكم بالقدر الاكبر من المواد الاولية فهل بدأ الدولار يتخلى عن عرشه المالي وخاصة بعد ان اختلت اسس قوة جناحيه واقصد بذلك صندوق النقد والبنك الدولي فهل للصين كلمتها ولا سيما ان الشيء الثابت الوحيد في الحياة هو التغير فدوام الحال من المحال وان معالم القوة الاقتصادية تحدد معالم القوة السياسية وان غدا لناظره قريب وبالتالي سوف لن يقول الان وزير الخزانة الامريكية ما قاله سلفه عام 1971.