لكنني طالما كرهت أيضا تعبير ( الشارع العربي) والشوارع الكيانية, التي تختصر في معناها الناس أو الشعب, كما أكره مصطلح (الساحة« التي يريدون منها الدلالة على وطن كالساحة الفلسطينية مثلاً. مع ملاحظة الارتباط العميق بين الشوارع والساحات, فهي تنفذ إلى بعضها.
لكن ما دفعني إلى الحزن حتى.. الإقياء أن بعض (الشارع اللبناني« انزلق إلى الأزقة المعتمة, بعد أن نزل ساسته الذين فقسّتهم بيوض غريبة وجهالة تمعيزية عميمة إلى هذه الأزقة ,منتعلين ألسنة لا تليق ب(مهد الشراع« ولا حتى بنزق العاصفة, ويعرفهم اللبناني المؤمن بالوطن الجامع والحرف والضاد.. فردة فردة.
هكذا تدّنى الخطاب السياسي في لبنان , في تبيان لأميّة وعنصرية وشّاها البعض بتجزئة بدل تهجئة كلمة إس..تق..لال. بعد أن ارتقى بها البساتنة واليازجي والمعالفة والشدياق وجبران ونعيمة واسحق وسعادة إلى مصاف التحضر.
لا عتب على شارع إن كان من يتسيّد مدخله جاهل وحاقد وعنصري لم يقرأ إلاّ في كتاب طائفته الأصفر حتى الاهتراء ,أو عائلته زرقاء الدماء.., إن لم تكن ليلكيّة , أو صبيان ورثوا زعامة وهم خارجين من جبّانات الخوف والإلغاء, لابسين بزّات تفوّق النوع على الكمّ .
بعض النواب والنوائب لم يعهدهم شارع (المتنبي« ,يا حرام المتنبي, في بيروت , في تنقلهم وانتقال هواياتهم وبواريدهم وحناجرهم , ولمن يريد أن يعرف فإن شارع المتنبي في الجميزة قرب ساحة الشهداء ..قبل الحرب, وفهمكم كفاية.ساسة من عيار متدّنٍ,لا يقرؤون وإن قرؤوا لا يفهمون, محكومون بسوية زواريبية وبحاويات القمامة على تقاطعات هذه الزواريب.
لا ألوم الشباب على شتائمهم أو شعاراتهم العنصرية أو الصفير الحاد على كلمات بعض قادتهم إن طالبوهم
بشعارات متحضرة ,خوفاً من الإعلام , لا ألومهم خلال هذه المحنة التي يمر بها لبنان, فهم ضحية تربية قبعت منذ وقت طويل في جبّ التقوقع وكره الآخر مصحوبة بشعور متوّرم بالتفوق.
لكن شارعاً عن شارعٍ يبدي منظراً آخر.
في خطاب للسيد حسن نصرالله حذّر فيه الزقاقات الديمقراطية المستجدة, التي صنعت حروب التحرير والإلغاء وجرّ الأحياء بالسيارات وتصفية الخصوم بدم طائفي بارد التي وجدت منفذاً إلى شوارع الديمقراطية الأمريكية المدججة , حذّر من الاحتكام إلى الشارع , فكل جهة في لبنان لها شارعها , لكن ما العمل إذا كان الآخر المدمقرط الذي حاول الإيحاء أنه يمثل لبنان واللبنانيين لا يفهم إلاّ في الشارع ?!!
لهذا نزل الرأي الآخر إلى شوارع المدينة باتجاه ساحة رياض الصلح وعلى مرأى من الأمم المتحدة في مبناها البهي والجميل .
إنني حزين حزين على هذه البلاد ومن هؤلاء العباد ,وأريد إخباركم أنني أجهر بعدم احترامي للتطيّف والتمذهب وللعائلية والعشائرية والإقطاع السياسي وغير السياسي , ولست شيعياً ولا من أي طائفة أخرى. أنا مواطن علماني, لكنني أرى في عمامة حسن نصرالله ديمقراطية وتسامحاً وحكمة وقبولاً بالآخر أكثر من سلالة آل بوش ومن لف بوشها, خاصة لأنه لا ينام(!!!) لأن دمقرطة لبنان تقض مضجعه. وفي جميع الأحوال لم أعد أحب الشوارع وأكره الأزقة وأمقت الزواريب و..البيوت البيض.
حاشية: أعتذر عن بعض المفردات التي وردت في مقالتي, فهذه ليست لغتي عادة, ولقد كتبت (معاً على الطريق« على مدخل البناية وعيني على آخر.. الزقاق.