| قراءة أولية في الاستراتيجية السورية (10)المسألة الدستورية معاً على الطريق ربما أن العلة العليلة في إعلامنا السوري تكمن في أنه لم يؤسس بعد لمفهوم السجالات التي يمكن أن تتراكم لأسابيع أو أشهر حول موضوع جوهري أو مفصلي أو استراتيجي معين. معروف أن السجال الحقيقي هو وحده الكفيل بإغناء وتعميق أي مسألة أو قضية أو مشكلة أو معضلة عبر عرض وجهات النظر المختلفة أو المتباينة بشكل جدلي وتراكمي لكن معظم ما شهدناه وسمعناه وقرأناه, والذي يوهم بأنه سجال, لم يخرج عن كونه تجاذبات ومهاترات حول مسائل جانبية وقضايا فرعية تحمل على الأغلب طابعاً فرديا وفضائحياً, والتي أثبتت الأيام أنها لم تتعدَ كونها فقاعة صابون أو زوبعة في فنجان, وأن غالبية المثقفين لا يتقنون إلا التعاطي مع هذا النوع من الحرفة. تبقى الاستراتيجية مصطلحاً غريباً وملتبساً ومبهما في أصقاع العالمين العربي والإسلامي والدليل على ذلك هو النتائج الكارثية التي شهدناها في العديد من بلدان هذين العالمين. والآن وبعد أن عادت أفغانستان إلى واجهة الأحداث مع اقتراب موعد الربيع الساخن نتساءل: هل كان ثمة أي نوع من أنواع الرؤية الاستراتيجية للمسألة الأفغانية? وبعد الأحداث الدامية في الصومال الشقيق وبعد تعقد المسائل بشكل خطير في السودان الشقيق نتساءل: هل كان ثمة رؤية استراتيجية لأمن القرن الأفريقي? وبعد وصول الأمور في العراق الشقيق الى طريق مسدودة تماماً نطرح مجموعة من الأسئلة أيضاً: هل كان ثمة أي رؤية لدى الذين دعموا أو ساهموا أو باركوا الغزو الأميركي للعراق تحت شعار تحريره? وألم تصل النار التي أشعلوها إلى مخابئهم وحصونهم? وهل يجوز لنا أن نستمر متفرجين ومعلقين على الأحداث بحيادية المراقب السياسي الدولي? وهل استخدام كلمة الشقيق عند ذكر هذه الأقطار العربية بات نوعاً من الفذلكة الايديولوجية?. بعد ثلاث حروب مدمرة في الخليج ما زالت مسألة أمن الخليج قضية غير استراتيجية وخاضعة للقاءات جانبية طارئة وما زال شبح الحرب قائما وما زالت الحشود العسكرية الأميركية جارية على قدم وساق. وبعد التصريحات التي أطلقها أحمد زكي اليماني وزير النفط السعودي الأسبق والتي أكد فيها أن اقتصادات مجموعة من الدول ستنهار بالكامل إذا ما جرى ضرب إيران نتيجة ارتفاع سعر برميل النفط إلى ما بين مئة ومئة وخمسين دولاراً, فإن أحداً من المسؤولين الأشاوس لم يقرع ناقوس الخطر بشكل مجلجل ومستمر, وكأن الأمر هو حدث تكتيكي ولا يخرج عن كونه نوعاً من الشجار أو (الخناقة) بين أميركا وإيران. ومع اقتراب انعقاد القمة العربية القادمة يبدو المشهد العربي العام أكثر بؤساً وتشتتاً وتهلهلاً من أي وقت مضى, حيث تجري كونداليزا رايس محاولتها الأخيرة لفرض املاءاتها بتفويض شبه إلهي, مع غياب أصحاب القرار الفعليين, وفي وقت يعجز فيه لبنان العظيم في تاريخه وحضارته وإنسانه وفي تصديه الباسل للكيان الصهيوني والمتواضع في الوقت نفسه بحجمه وعدد سكانه عن تشكيل وفد موحد إلى تلك القمة العتيدة!!. ونتساءل بمرارة: هل بقي في لبنان أي ملمح استراتيجي بعد تسلط صبيان السياسة وغلمانها على مفاصله? وهل يمكن اختزال المشكلات الخطيرة التي تعصف به في حدود ثلث معطل أو ضامن أو في إطار محكمة دولية?. وها هو جون بولتون الذي أهداه بعض اللبنانيين درعاً اعترافاً بجهوده لدعم لبنان يفاخر ويجاهر بوقاحة ما بعدها وقاحة بأن أميركا عطلت استصدار قرار لوقف اطلاق النار في مجلس الأمن كي تتيح للكيان الصهيوني فرصة تدمير حزب الله بالكامل, ومع ذلك فثمة من يتحدث بلا خجل عن تدخل سوري في لبنان. والسؤال الذي يمكن أن يطرح نفسه هو: هل يمكن اختصار مفهوم الاستراتيجية السورية ببضعة أسطر, والجواب هو نعم, فالمقومات الأساسية للاستراتيجية السورية هي الأمن والأمان والسلم الأهلي والحفاظ على الوطن واحدا موحداً تجاه الفوضى الخلاقة التي تتبناها الإدارة الأميركية والاستمرار في ممانعة كافة أشكال المخططات الأميركية والمضي قدماً في دعم مختلف أشكال المقاومة المناضلة الشريفة, وعدم التنازل عن شبر واحد من الأراضي المحتلة. ومع تهتك وتحلل مؤامرات العميل الأصيل!!! وليد جنبلاط وحلفائه في لبنان من أمثال جعجع ومن لف لفه, إضافة إلى حلفائه في الخارج أمثال خدام وبيانوني, ورغم نفي شيخ العشيرة وشريك الصفقات و(مشرشح) الأوسمة الفرنسية جاك شيراك تحريضه الكيان الصهيوني لإسقاط النظام في سورية, ورغم أن إسقاط النظام في سورية هو ضرب من الخيال لكن لا بد من اليقظة والتنبه على الدوام, فحجم المؤامرات قد شكل مروحة واسعة تضم بعض الأعراب والمتأسلمين الذين لا يدينون إلا بالولاء لأميركا. حاولت في مقالاتي التي تناولت فيها مسألة الديموقراطية أن أتعامل وثائقيا مع كلمة الديموقراطية من ضمن المعجم الشامل لأدبيات الرئيس بشار الأسد الذي قمنا بإعداده حاسبياً والذي استغرق إعداده آلاف ساعات العمل إن لم نقل عشرات الالاف, وقد عاضدت صحيفة الثورة الغراء هذا الجهد بنشرها على مدى أسبوع كامل الشواهد التي وردت فيها كلمة الديموقراطية. وتنشر مجلة الأزمنة الغراء اليوم الملف الوثائقي الكامل لشواهد كلمة (دستور) في أدبيات الرئيس بشار الأسد بحكم كونها مساهمة في إعداد المعجم الشامل لأدبيات الرئيس. والمقصود من الملف الشامل هو الابتعاد عن الاختيار والانتقائية ومناقشة أي مسألة وثائقياً بما لها وبما عليها, ففي سبيل تدعيم ديموقراطية فعالة وراسخة ورصينة لا بد من التنقيب في تفاصيل فكر الرئيس. ومع كل ما نشهده على الساحة اللبنانية والمصرية حول المسألة الدستورية فإنه لا بد من الإقرار بأن كلمة دستور هي من أكثر الكلمات غموضاً, فلا أحد يعرف كيف دخلت إلى معجمنا اللغوي. ومع ضياع مختلف المعاجم العربية وعدم قدرتها على تحديد أصلها ودلالاتها, والذي سأفرد له بحثا مستفيضا في المقال القادم, لكن ما يهمنا اليوم هو تطوير الدستور لسد حاجاتنا الوطنية.
|
|