وبعدها بأيام فقط صوت البرلمان الاسباني أيضاً لصالح الاعتراف بالدولة الفلسطينية , ثم بعدها بأيام أخرى صوت البرلمان الفرنسي «الجمعية الوطنية « بواقع 339 نائباً مقابل معارضة 151 لصالح الاعتراف أيضاً بدولة فلسطين .. وربما لن يلفظ العام الجاري آخر أيامه قبل أن تصوت كل أوروبا على الدولة الفلسطينية الموعودة والعتيدة !
لسنا نعارض أبداً ما تفعله برلمانات أوروبا حيال مشروع الدولة الفلسطينية , بل على العكس , نشد على أيدي نوابها وممثلي شعوبها , وندعوهم إلى المزيد المزيد من انتهاج سياسات العدل والإنصاف تلك ..لكن :
قبل شهر واحد , ولأكثر من ستين عاماً إلى الوراء كانت حكومات أوروبا وبرلماناتها ترفض الاعتراف بالدولة الفلسطينية ولا حتى الإشارة إليها , كانت تلك الحكومات والبرلمانات منتخبة وديمقراطية وتمثل شعوبها أحسن تمثيل على رأي الغادي والآتي .. ولم تتذكر مرة إنصاف الفلسطينيين ومشروعهم في الدولة المستقلة , ثم وخلال شهر واحد يصوت المنتخبون والديمقراطيون وبأغلبيات ساحقة لصالح ما كانوا حتى قبل أيام فحسب يرفضونه وبشدة .. مع أنهم لا يزالون منتخبين وديمقراطيين , ما يعني الحيرة والتساؤل :
هل كانت الشعوب الأوروبية عمياء لعشرات السنين واستعادت بصرها وبصيرتها خلال أيام وألزمت ممثليها التصويت على ما لم تصوت عليه من قبل أبداً , أم كانت مضللة ومغرر بها ثم صحت ووعت بهذه السرعة وعبر ممثلوها في البرلمانات عن صحوها ووعيها المفاجئين ؟
بل , هل كانت برلمانات أوروبا الممثلة لشعوبها مزيفة وغير ديمقراطية البتة طوال عشرات السنين , ثم ما لبثت أن أدركت الحقيقة والديمقراطية معاً بين ليلة وضحاها , أم أنها كانت غير ملتزمة رأي عامة شعوبها , واليوم استدركت واستعادت التزامها ؟
أي رأي عام أوروبي ذاك الذي انقلب على ذاته فجأة , وأي ديمقراطية تلك التي استعادت وعيها واستدارت مئة وثمانين درجة ؟
ألا ترون معي أن ثمة حلقة مفقودة في سلسلة ما يجري , ففي هذه المعمعة حامية الوطيس سواء في الغرب « المتخم « بالديمقراطية أو في الشرق المتزلزل بضجيج طبولها .. فإن ثمة من يقود من الشعوب والبرلمانات والحكومات الأوروبية وثمة من يقاد منها , وثمة من يقدم أجوبة دون أسئلة وثمة من يسأل دون أن ينتظر جواباً , بل ثمة ما يلمع من بعيد ورائحته قذرة من قريب , وثمة ما يبدو شاحباً بائساً وهو نظيف عطر !!
فإذا كانت الديمقراطية مزاجاً رائقاً أو معتكراً فتلك طامة , وإذا كان المزاج ديمقراطياً أو مستبداً فالطامة أكبر ؟