متى يكون مُتاحاً أو واجباً أو مُبرراً اتخاذ النأي بالنفس أو الحياد موقفاً؟ وإذا ما تَعارض الحياد والنأي - كموقف - مع منظومة القيم وأولها الأخلاق، ما التصنيف الواقعي لهذا الموقف في هذه الحالة بالتحديد؟ هل يكون نفاقاً، أم يكون اصطفافاً خلف طرف في مواجهة الطرف الآخر؟.
الموقف بذاته مهما كان من أمره، اتجاهاتُه، حدته، مسوغاته ودوافعُه، هو مسألة سلوكية قيمية، تحمل قيمة، وتمنح الحالة قيمة مُضافة، بمعنى أنه عندما تقف مع الحق في مواجهة الباطل، أو العكس، فأنت تُجسد بالحالتين اصطفافاً يُعبر بدوره عن موقف يتراوح بين حدي الإخلاص والنفاق.
يُقال إن حصّة الأخلاق، الصدق والنزاهة والوفاء والأمانة.. الخ، في السياسة والعمل السياسي هي أقل الحصص بالمقادير مُقارنة مع الرياء والمكر والخداع والدجل والخيانة، وبصرف النظر عن مدى دقة توزيع الحصص القيمية في السياسة والعمل السياسي، يبقى من الثابت أن السياسة بمفهومها المسلكي المُجتمعي، وبمفهومها الحكومي السّلطوي، هي جزء من الحياة وممارساتها اليومية المحكومة بالقيم كبُرت أم صغرت.
تطبيقياً، التطبيعُ مع كيان العدو الصهيوني مطروحٌ كقضية وحالة يندفع باتجاهها عرب وأعراب ومستعربون بقوة، فهل يمكن لغير المُطبعين أو الرافضين له الوقوف على الحياد، والحياد يعني اللاموقف؟ وإذا أمكن ذلك بالوقوف على الحياد من التطبيع بذاته، فهل يمكن اتخاذ الموقف إياه من المُطبعين؟ بالتأكيد لا.
المسألة وطنية قومية بامتياز، أخلاقية بالعُمق، وعندما تقف على الحياد من مسألة التطبيع مع العدو، تلقائياً تكون قد فقدت وطنيتك وتخليت عن البعد القومي للمسألة، فضلاً عن تخليك المباشر عن الهوية والانتماء، وأما حين تقف على الحياد من المُطبعين من أبناء جلدتك، فسيكون سقوطك مُدوياً على المستوى الأخلاقي، ذلك أن الحياد هنا اصطفاف، ومشاركة تكشف مقادير الجبن التي أنت فيها، والتي تجعلك أسوأ من المُطبعين، إذ لم تمتلك وقاحة الذهاب للتطبيع، وتفتقد في الوقت عينه شجاعة مقاومة التطبيع وتقريع المُطبعين!.
النأي بالنفس عن المشاركة بالحرب على الإرهاب التكفيري بمصدره السعودي الوهابي الحصري، والتمسك بأفضل العلاقات مع المملكة الوهابية حتى وهي تضع يدها باليد الإسرائيلية وتشد عليها، ما الذي يعنيه غير الاصطفاف والنفاق؟.
النأي بالنفس عن المجزرة الرهيبة التي يرتكبها النظام السعودي الخائن في اليمن، لا يعكس حالة الاصطفاف والمشاركة فيها فحسب، بل التصفيق لها والتشجيع على استكمالها، وقد بلغت حدّ الإبادة الجماعية للشعب اليمني الشقيق، وهو ما جعل حتى اللسان الغربي المُحرض عليها يتحرك شجباً وإدانة لها، فيما يطالب البعض ممن يدّعون العروبة بتبني سياسة الحياد والنأي بالنفس ويُهدد جدياً استقرار بلاده ومُجتمعه بالفوضى والفراغ ما لم يتخذ نظامه السياسي هذا الموقف!.
الأمثلة كثيرة، والمُفارقات مُتعددة، وستكون الماثلة منها كافية لفضح معسكر الخونة وإسقاطهم، بمقابل التقدم خطوات على طريق النهوض بالواقع العربي دفاعاً عن الحق والكرامة والعدالة، ودفعاً للظلم والباطل والعدوان، ولعل ارتكاب المزيد من الحماقات وانكشاف فريق المُنافقين والمُصطفين خلف السعودية والغرب وإسرائيل، سيُسرع حالتي السقوط والنهوض.