تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


أين عيناك يا منفلوطي؟

معاً على الطريق
الخميس 15-7-2010م
عبد النبي حجازي

عندما كنت أتابع تصوير مسلسل (الهراس) أواخر السبعينيات من القرن الماضي تعرفت إلى فنان مخضرم يلقبه الفنانون (المنفلوطي)

وهو كهل صوته أجش قريب من القلب تهدلت أكتافه وعندما تدقق النظر إلى ملامحه وشعره الملون بالشيب تدرك أن وراءه ماضياً من السنين مخبأ في تجاعيد وجهه، تسند إليه عادة أدوار ثانوية في التلفزيون أو المسرح يؤديها بطريقة يوسف وهبي ولا يكاد أحد يهتم بمعرفة اسمه الحقيقي (أحمد شفيق صبي) الذي يدرج على شارة العمل، لكنه أثار فضولي لمعرفة سبب لقبه (المنفلوطي).‏

كانت أجور الفنانين لا تكاد تسد الرمق، وكان بعض المخرجين لا يسند للفنان دوراً إلا إذا تقاضى منه أتاوة، كانت حالة الأسى تغضن قلوب الجميع أمام قلة الإنتاج وقسوة المعيشة، وعندما يدرج عمل في الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون - الجهة المنتجة الوحيدة قبل ظهور شركات الإنتاج الخاصة - يبدو وكأنه موسم حصاد لأفواه تلوب على اللقمة. كان معظم الفنانين - حتى النجوم هواة - بمعنى أنهم غير متفرغين، وكانوا مضطرين أن يمارسوا عملاً آخر فقد تسمع مَن يقول «الحمد لله عندي مهنة - نجار موبيليا أو موظف بسيط - ولن أموت من الجوع» حتى المسرح لم يكن له جمهور يشكل دخلاً كافياً للممثل، في تلك الأثناء كتب (المنفلوطي) بيتاً من الشعر هو:‏

ونحن في سورية والفن مهنتنا‏

كأننا في بلاد الروس ألمان‏

وقد جرى على ألسنة الفنانين وعبر عن همومهم، كانت سوية معظمهم الثقافية متواضعة جداً وعلى سبيل المثال كانت إحدى الممثلات أمية وكانوا يلقنونها الحوار (همساً) أثناء أداء دورها في المشاهد التلفزيونية على غرار التمثيل المسرحي.‏

في الستينيات عرض المسرح القومي مسرحيتين من عيون المسرح العالمي هما:‏

(الأشباح) لهنريك إبسن و(الفخ) لروبرت توماس ولم يستمر عرض أي منهما سوى بضعة أيام وفي الوقت نفسه عرضت إحدى دور السينما الفيلم الهندي (جنكلي) واستمر عرضه إلى الأسبوع الثاني والثلاثين وما زال مستمراً.‏

تقربت من المنفلوطي أثناء الاستراحات فدعاني إلى غرفته المستأجرة بمنطقة الربوة عند قاع أحد فروع بردى وهي غرفة صغيرة رثة ليس فيها سوى سرير مخلّع وبعض الأسمال البالية وطاولة صغيرة قوائمها غير متساوية، عليها بعض الكتب التي تهرأت أغلفتها، وقلم هيكله مجرّح وكدسة من الأوراق الصفراء وضعت عليها حجر كي لا يطيرها الهواء، غرفة يغزوها طوفان النهر في سنوات الخير فيحمل المنفلوطي أسماله ويبحث عن مأوى مؤقت حتى تجف، حدثني عن طموحاته وانتقى من بين أوراقه كراسة ضمها إلى صدره وقال معتزاً: مسرحية شعرية بعنوان (مجنون ليلى) أتحدى بها مسرحية أحمد شوقي.‏

واليوم ترى عدداً كبيراً من الفنانين يشاركون بأكثر من عمل في وقت واحد، وترى معظمهم يقتني سيارة حديثة، وترى بعض النجوم يسكنون في بيوت كالقصور.‏

فأين عيناك يا منفلوطي؟‏

anhijazi@gmail.com

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 عبد النبي حجازي
عبد النبي حجازي

القراءات: 2147
القراءات: 1085
القراءات: 1094
القراءات: 1082
القراءات: 1285
القراءات: 1109
القراءات: 1045
القراءات: 1331
القراءات: 1298
القراءات: 1150
القراءات: 1681
القراءات: 1207
القراءات: 1769
القراءات: 1249
القراءات: 1205
القراءات: 1305
القراءات: 1244
القراءات: 1327
القراءات: 1309
القراءات: 1321
القراءات: 1536
القراءات: 1695
القراءات: 1483
القراءات: 1401
القراءات: 1833

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية