تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


تهجير السوريين من أرضهم: لماذا؟ وكيف تعالج؟

متابعات سياسية
الأثنين 14-9-2015
بقلم: العميد د. أمين محمد حطيط *

تفاقمت في الأسابيع الأخيرة مسألة النزوح السوري خارج البلاد وتحول الموضوع في وجه من وجوهه إلى مأساة إنسانية وأخلاقية، وفي وجه آخر إلى ورقة ابتزاز واستثمار في الحرب والعدوان على سورية،

العدوان المتمادي منذ ما يقارب السنوات الخمس. فما هي حقيقة المسألة وجذورها والأهداف التي يرمي المستغلون الى تحقيقها من خلال هذه القضية.‏

ولنعد إلى الجذور ، ونتذكر انه قبل أن يكون هناك شيء اسمه تهجير أو نزوح ، أقامت تركيا في لواء الإسكندرون المغتصب مخيمات لإيواء من أسمتهم «اللاجئين السوريين» وتساءل المراقبون مستفسرين يومها عن أي لاجئين تتكلم تركيا ولم يكن هناك سوري واحد قد غادر بيته أو تشكل ظرف يجبره على التفكير بذلك ، وبقيت المخيمات لأكثر من ثلاثة أسابيع خالية من أي شاغل إلى أن وقعت معركة جسر الشغور الأولى التي جاءت اثر العمليات الإرهابية الإجرامية التي قام بها مسلحون جلهم من الإخوان المسلمين الذين ترعاهم تركيا ،المسلحون الذين قاموا بالاعتداء على رجال الشرطة والأمن السوريين في جسر الشغور وعلى قوافل الجيش العربي السوري التي اتجهت إلى المدينة لاستعادة الاستقرار اليها . ترافق ذلك مع ضخ إعلامي تهويلي مارسته فضائيات التحريض على سفك الدم السوري وفي طليعتها قناة الجزيرة والعربية وما أفرخ من فضائيات الفتنة المدفوعة الأجر والكلفة من المال الخليجي. . وبدأ التهجير في سورية يتصاعد مع تصاعد العدوان والإرهاب.‏

أما ردة الفعل على الواقع المستجد فقد كانت في اتجاهين متعاكسين:‏

- اتجاه تقوده الحكومة السورية وتؤيدها فيه شرائح وطنية واسعة يدعو إلى التمسك بالأرض وعدم مغادرتها وفي حالات الضرورة الانتقال داخل سورية من مكان اختل الأمن فيه وصعب العيش عليه إلى مكان أمنه قائم والخدمات فيه مؤمنة، واستجابت لهذا الأمر بشكل خاص عائلات المواطنين السوريين العاملين في الجيش والقطاع العام ولاحقا في قوى الدفاع الوطني واللجان الشعبية، وبشكل عام كل من رفض تسليم بلاده للإرهاب وأصر على البقاء فيها للدفاع عنها.‏

- واتجاه آخر نقيض للأول ويشكل استجابة إلى ما يريده المشاركون بالعدوان على سورية، ويرمي إلى تشكيل ورقة ضغط من النازحين والمهجرين خارج وطنهم للاستفادة منهم في أكثر من مهمة ودور.‏

وبالنتيجة بات المهجرون صنفان: مهجر في الداخل (يصل عددهم تقريبا إلى ثلاث ملايين نسمة) ومهجرون إلى الخارج ويصل عددهم إلى ما يقارب الثلاث ملايين ونصف أيضا حسب إحصاءات الأمم المتحدة الرسمية، والرقم قد يكون مبالغ فيه لان كثيرا من السوريين الموجودين أصلا في الخارج قبل العدوان سجلوا أنفسهم لاجئين ظنا منهم أن ذلك يكسبهم بعض المنافع. واشتمل هذا الاتجاه على عائلات الأغنياء المحجمين عن تحمل أعباء المواجهة والقادرين على العيش بأموالهم وبعلاقاتهم في الخارج، كما اشتمل على عائلات المسلحين الذين رفعوا السلاح ضد دولتهم واستجابوا لخطط العدوان على سورية، وضم أيضا من وقع ضحية الحرب النفسية التي شنها العدوان على سورية.‏

والآن وعند الحديث عن المهجرين السوريين، فان الأمر يعني حصرا مهجري الخارج، لان الفئة الأولى بقيت في وطنها وتقوم الحكومة السورية بكل ما يلزم وما هو ممكن لرعايتها وتقدم الخدمات لها كما لا يقصر أبدا السوريون في المناطق الآمنة خاصة في دمشق والساحل السوري في هذا الأمر حيث أن تلك المناطق تستوعب ما يقارب الثلاث ملايين سوري في مراكز إيواء وإغاثة وإعانة وتؤمن لهم احتياجاتهم الممكنة بما فيها التعليم المجاني الرسمي لأبنائهم.‏

أما مهجرو الفئة الثانية، فإنهم باتوا هم المعضلة المعقدة والمتشابكة خاصة إذا وقفنا على طبيعة تعامل دول اللجوء معهم. ففي الأردن حيث النصف مليون ، فرض على اللاجئين الإقامة في المخيمات في ابشع الظروف المعيشية والأخلاقية (مخيم الزعتري ) وفي لبنان حيث المليون لاجئ توزعوا على مخيمات عشوائية أو داخل الأماكن الآهلة حسب وضعهم السياسي وانسجامهم مع ميول المنطقة التي قصدوها ، أما في تركيا حيث المليون ونصف فقد توزعوا في المخيمات التي أعدت مسبقا وبعض الأماكن الأخرى بإشراف من الدولة لمراقبتهم واستخدامهم ، ويبقى بعض الآلاف أو عشرات الآلاف الذين توجهوا إلى خارج بلدان الجوار، وهم الذين يشكلون جوهر مشكلة اللاجئين من خلال انتقالهم إلى الغرب للجوء يتصورون أن يكون الأفضل لهم مستقبلا . والملفت هنا أن دول الخليج النفطية التي كانت بأموالها سببا رئيسيا للتهجير لم تقدم للمهجرين أي فرصة للجوء اليها فأقفلت الأبواب بوجههم ولم تسمح بدخولها إلا لمن يمتلك القدرة على العيش في الفنادق والشقق المفروشة المرتفعة الإيجار.‏

في ظل هذا الواقع، وبعد السلوكيات اللاإنسانية، أو المنافية لحقوق الإنسان التي يتغنى الغرب باحترامها والتي سببت الكثير من المآسي والكوارث على طريق اللجوء والهجرة إلى الغرب والتي كان واحدا منها قضية الطفل إيلان الذي قضى غرقا على شواطئ تركيا، بات الغرب يظهر غيرة على اللاجئين ويتظاهر مسؤولوه بأنهم يراجعون سياسة قبول اللاجئين في حدود يضعونها. وهنا نطرح السؤال ماذا يريد الغرب حقيقة من الموضوع وكيف يكون الحل لمسألة التهجير أصلا؟‏

قبل أي كلام آخر يجب أن يعود الجميع إلى حقيقة ثابتة مفادها أن المواطن السوري كان قبل العدوان على دولته يعيش آمنا عزيزا كريما في وطنه تؤمن له الدولة خدمات التعليم والصحة مجانا وظروف الحياة بكلفة معيشة هي الأدنى في المنطقة، وأن المآسي التي يعانيها الآن من التهجير هي نتيجة للعدوان عليه ولاختلال الأمن والفوضى الأميركية الهدامة التي نشرت في سورية بتمويل وتنفيذ إقليمي تركي وخليجي، فالعدوان هو السبب في المأساة وتوقف المأساة يكون بوقف سببها أي بوقف العدوان، ولا يكون ذلك إلا بتجفيف مصادر الإرهاب المنفذ للعدوان والعمل مع الجيش العربي السوري لاقتلاع الإرهاب وهذا ما تقول به روسيا وهي صادقة في نظرتها وسلوكها .‏

ولكن مكونات العدوان على سورية يرفضون هذا الحل المنطقي ويصرون على عدوانهم ويحركون اليوم ورقة اللجوء التي هم صنعوها بعدوانهم من اجل الضغط على سورية أولا ومن اجل إجراء فرز وتغيير ديمغرافي فيها يخدم أهداف العدوان الأصلية تاليا الأهداف التي فيها مشاريع التقسيم والكيانات الطائفية والإثنية، وأخيرا من اجل توفير اليد العاملة الرخيصة لبلدانهم من خلال ادخال بعض السوريين في عملية وضعت لها ضوابط تخدم مصالح تلك الدول الأجنبية.‏

أما السوريون فواجبهم قبل كل شيء أن يمعنوا النظر جيدا ويقارنوا بين ما كانوا عليه وما باتوا فيه، وأن يدركوا أن وقوفهم مع دولتهم ومواجهتهم للعدوان عليها كفيل بوضع حد لمأساة النزوح وبهذا يجب أن يفهم كلام الرئيس الأسد بأن الوطن هو لمن يدافع عنه.‏

* استاذ جامعي وباحث استراتيجي - لبنان‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 أمين حطيط
أمين حطيط

القراءات: 1179
القراءات: 1820
القراءات: 1928
القراءات: 2146
القراءات: 2474
القراءات: 2527
القراءات: 2584
القراءات: 2574
القراءات: 2541
القراءات: 3038
القراءات: 3537
القراءات: 3147
القراءات: 3690
القراءات: 3523
القراءات: 3297
القراءات: 3845
القراءات: 3544
القراءات: 4569
القراءات: 4370
القراءات: 4739
القراءات: 4446
القراءات: 4346
القراءات: 4357
القراءات: 4767
القراءات: 5337

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية