بما في ذلك الحديث عن مقارنات سياسية وغير سياسية لا توفّر أحداً في العالم من غربه إلى شرقه مروراً بالفاتيكان الذي نال نصيبه من التهديد.
وإذا كانت الأسباب كما عزتها بعض الأصوات اليمنية دقيقة في توصيف خفايا السكوت والصمت المريب على السعودية ودورها الخطير في إنتاج وتفريخ الإرهاب، فإنه قد يبدو من المثير التساؤل عن أسباب مرور الكثير من مواقف حكومة العدالة والتنمية في تركيا أيضاً بالميزان نفسه، رغم ما فيه من صلف وتكبّر ناتج في أغلبه من فراغ وتهور وحماقة لا حدود لها.
فالسعودية تستخدم مالها النفطي والادعاء الديني المزيف والكاذب، من أجل لجم الأصوات في كثير من دول العالم، وتُسكت ما تبقى منها برشاوى الصفقات والتسليح، فيما تركيا تجاهر بمواقف لا تستند إلى أي أرضية يمكن أن تشكل عامل قوة أو ضماناً لها، سوى بعض الأوهام وأمراض استعادة أحلام السلطنة، ما يجعل أي حديث عن العامل التركي ومحاباته موضع تساؤل وشكوك عميقة في بنية التفكير السياسي للعلاقات الدولية.
المفارقة أن المعايير في السياسة العملية تتقاطع بين التهور السعودي والحماقة التركية، ويصبح من الصعب الفصل بين النتائج التي تتمخض عنها، خصوصاً أنها تنحدر في نهاية المطاف من أرضية واحدة أساسها العدم السياسي المترافق بانهيار في المنظومة الأخلاقية، وتهور في معايير السلوك المدفوعة بنهج مستنسخ في كلا الحالتين.
بين العدم السياسي والانعدام الأخلاقي لا يبدو الفارق قادراً على تلمس حدود التباين والاختلاف، وإن كان في كثير من الأحيان صورة مصغرة من مآل الحال لكثير من الأنظمة والسلطات المتفشية في عالم اليوم، والتي يحاكي فيها التركي السعودي، وربما يتقاطع معه في التفاصيل التي تبدو منطوية تحت عناوين مختلفة.
ورغم نزوع بعضها على الأقل إلى رسم صورة العدم السياسي كحالة انعكاس لفشله وخيبته، فإن أكثرها يميل بطبعه إلى الجمع بين العدم السياسي والانعدام الأخلاقي معاً، لينتج منظومة من المحرمات والمحظورات التي تفيض على المنطقة بمنتجات تستقصي أبعد درجات الغيبية والظلامية الممزوجة بكثير من حالات الهرطقة السياسية، دون أن تغيب عن مندرجاتها حالة الانغماس في تدوير زوايا الخراب والدمار للنفاذ إلى ما يسيطر عليها من أحلام بائدة.
تحت هذا العنوان تدور رحى الصراع والمواجهة في المنطقة وتستنفر في الأروقة الجانبية لمنح مساحات النفوذ الخارجي أغلب المقاربات شرقاً وغرباً، وتكاد تتساوى في مخاضها الصعب لعبة المساومات على المتاح والممكن، أو بفعل المنتج السياسي المغرق في دونيته، والقائم على فرضية المعادلات المتعاكسة، بحيث تصبح السياسة مجرد لافتة تخفي خلفها ذلك الخواء الذي يتعاظم بصورة طردية مع ملامح الفشل الواضح.
على أساس هذه المقاربة لم يعد الإرهاب فقط المعيار للمجانسة بين الانظمة والأشخاص والمؤسسات وتفاعلاتها المنسية، بقدر ما تحكمه حسابات السلوك والتفكير والمقدرة على خلق حالة من الانسجام مع أجنداته، رغم ما يطالها من تغيير، حيث يصبح الغلواء والتطرف وانعدام الرؤية أساساً وربما مقياساً للمواءمة بين المطلوب وظيفياً وبين مقتضيات التأقلم مع المتغيرات العاصفة في المنطقة وخارجها.
المحسوم فعلياً أن ما تجاهر به مملكة آل سعود وما ينطق به نظام أردوغان ليس العدم السياسي فقط، بقدر ما تفيض منه مشاهد الانعدام الأخلاقي، حيث الخطر لا يمكن أن يبقى محصوراً بمنصة الاستهداف للجوار، وما يمثله من انزلاق نحو المجهول، وربما باتجاه الكارثة، بل يطال العالم بأسره والحلفاء قبل الأعداء.. والأصدقاء أكثر من الخصوم، والبعيدين منهم قبل القريبين.
a.ka667@yahoo.com