لا يعني بالمطلق أن تركيا لاعب سياسي إلا بالمقدار الذي يتطلبه وجودها كطرف ضامن لمن فتحت الحدود لهم وأسهمت بتسليحهم وتدريبهم، لا لمحاولة تمكينهم أو لشرعنة وجودهم اليوم كتنظيمات مسلحة وإرهابية، وإنما للبحث في سبل إخراجهم من الحلبة، وإدخال من يُلقي السلاح ويلتزم بمُخرجات المحادثات، العملية السياسية.
الممارسات التركية على الأرض لا تُوحي بل تُؤكد أن حالة الفهم الخاطىء - المُتعمد - تقود أنقرة لحالة تورم جديدة، ذلك أن كل خطوة اتخذت وكل تحرك عسكري جرى تنفيذه من خارج ما اتُفق عليه ينبغي أن يتم تفكيكه والتراجع عنه طوعاً حتى لا تضطر أنقرة لفعل ذلك قسراً، وحينها قد لا يكون كافياً القيام بتفكيكه والعودة عنه تحت الضغط أو التهديد.
ما يؤكد أن أردوغان ما زال يُقيم في مستنقع الوهم الذي جعله يتقدم على سواه من المُتورطين باحتضان ودعم التنظيمات الإرهابية هو ما ردده بالأمس في قونية من أنّ أحداً لا يمتلك حق مُساءلة تركيا عن وجودها في سورية والعراق والصومال والبلقان والقوقاز، مُتمسكاً بوهم السلطنة التي تربطها بهذه الأماكن علاقات تاريخية وجوده فيها - حسب زعمه - هو رد للدين الذي يؤمن بوجوب القيام برده؟!.
إذاً هو يؤكد أطماعه العثمانية، وتصريحاً لا تلميحاً يعمل أردوغان على إحياء حلم السلطنة المُمتدة، وربما يرى أن مشاركته بمحادثات العاصمة الكازاخية هو خيار يمتلكه ويفرضه وليس بوسع الآخرين إسقاطه أو التخلي عنه، وعلى هذه القاعدة يُخالف ويتمادى بعدم التزامه بمُخرجات المحادثات الواضحة بإجراءاتها على الأرض وبمدلولاتها في السياسة!.
مع انعقاد جولة جديدة من المحادثات لن يكون مقبولاً الإعلان عن انتهائها إلا بوضع آليات مراقبة بمناطق خفض التصعيد تكون واضحة فيها الإجراءات الميدانية، كل الإجراءات، بدءاً من تحديد الخرائط، مروراً بشكل انتشار قوة الرصد والمراقبة، وصولاً إلى تحديد جنسية مُكوناتها، عديدها ومهمتها، وانتهاءً بتحديد برامج زمنية تنتهي بانتهائها الحاجة لوجودها.