في التراث العربي جبانها وشجاعها أخذتها من وصية قس بن ساعدة لأبنه (فإن رأيت جبانها يقدم وشجاعها يدبر، اعلم أن في الأمر مكيدة ..) و (.. يقبل و يدبر معاً) أخذتها من رائعة الشعر العربي في معلقة امرئ القيس (مقبل مدبر معاً)
موضوعياً أنا أحاول أن أصف شيئاً من التيه الذي نعيشه. لم يعد الكاتب كاتباً ولا الصحفي صحفياً ولا الطبيب طبيباً ولا المزارع مزارعاً ولا المهندس مهندساً... إلخ .. بل الكل يفهم في كل شيء ولا يقبل في الجهل لومة لائم، واستمع للخبر و التحليل .. لا مصدر إلا الذكاء الشخصي و ربما الاتصال بالنجوم مثلاً .. ولا معيار للتحليل و التمحيص و الاستنتاج .. إلا أن يقول .. و كما يشاء يقول و لا ينسي أن يشتم الذين مهمتهم أن يقولوا .. و هو بصراحة لا يفتقد الحق بذلك كلياً، فالذين عليهم القول لا يقولون أبداً.. وإن تشجعوا فبعد أن يكون برد وطيسها و رمادها.
وما خلقته ظروفنا الوطنية والمجتمعية الراهنة من بيئة حيوية لهذا العته والاجترار، لم يكن ينقصه إلا وسائل الاتصال الاجتماعي من فيس بوك وخلافه لندخل عوالم التيه... فلا يعود أحد يعرف هو أين ومع من يتحدث..
بالأمس عشنا حالة من هذا الرجس الفظيع، والهمرجة المحزنة المضحكة في آن واحد لمناقشة قضية من أهم القضايا المجتمعية الثقافية .. وهي المناهج المدرسية.
طبعاً لست أبداً بصدد الادلاء بدلوي، لكنها حالة من الفوضى والتيه لا تنسى.. كل من يصل للشبكة العنكبوتية أو لجلسات الحي أو حلقات السمر حول منقل من الجهل.. أصبح أكثر من ناقد للمناهج ويرى في نفسه منتهى الأهلية للتقويم والتقدير وفرصة أن يكون المؤلف البديل.. وهات يا كلام ومعلومات تحاول أن تتثبت منها فتجدها ضالة مضللة.. وهات يا هجاء.. شعراً (قريديأ) أحياناً وبالفصحى في أحيان أخرى.. وهات يا كذب.. و الكذب ملح الذين يقولون على الشبكة العنكبوتية.. يظهرون أحياناً و يستترون غالباً.
لم أقل شيئاً في حينه لأنه لم يكن لدي ما أقوله ولم أكن والحالة هذه أريد أن أبدو مهاجماً لأحد أو متعاضداً معه، هي مما لا أتقنه.. واليوم قد برد و طيسها.. فاخترت الحالة مثالاً يبدو منه التيه الحقيقي الذي نحن فيه.
إذا كان ذاك هو الحال والموضوع كتاب مدرسي.. فكيف ترونه إذا كان موضوعه أخبار المعارك والنشاط الساسي؟؟!!.
مع هذا الطوفان.. تنشغل مصادر الأخبار المسؤولة، المأمولة.. بكيفية إعاقة الخبر وخنقه في التداول فلا يبقى منه إلا الشعارات والتهريج، وما لا يوصل لحقيقة في أحسن حالات وظروف الانتظار.. فكيف به والدنيا صخب يعجز العقل عن الإحاطة به.
as.abboud@gmail.com