| مقاربة أولية حول الولاية الدستورية ... استنهاض روح الشعب معاً على الطريق لعل الأحداث الشنيعة المفجعة الدامية التي تجري صباح مساء في العراق الذبيح هي السبب وراء عدم إلقاء الأضواء بشكل مكثف على الاستباحة الشاملة لذلك البلد العريق الشقيق العزيز. فإلى جانب الإذكاء المتواصل لنار المذهبية والطائفية الذي كان من بعض مظاهره إغلاق جوامع بأكملها وتهجير مئات الآلاف من مساقط رؤوسهم, وإلى جانب عملية التصفية الجسدية لما لا يحصى من العلماء والمبدعين, فثمة عملية تجري على قدم وساق لمحو هوية بلاد الرافدين وطمس معالمها وإلغاء تاريخها, بدءاً من النهب المنظم للمتاحف العراقية في اليوم الأول لسقوط بغداد مروراً بتقصد القوات الأميركية التمركز في المناطق الأثرية وانتهاء بنسف منارات مساجد عمرها ألف سنة ويزيد إلى جانب نسف تمثال (أبو جعفر المنصور) باني مدينة بغداد,ولقد ارتكبت كل تلك الفظائع بذريعة تحرير العراق و جعله بلدا يحتذى في الديمقراطية .. !! والسؤال الأول الذي يطرح نفسه بقوة هو: هل كان ثمة عقلاء في العراق- قبل تعرضه للغزو الأميركي البربري- يفكرون بتجنيب بلدهم المخاطر, بصرف النظر عن انتماءاتهم المختلفة ومصالحهم ومواقفهم السياسية المتباينة? وهل كان ثمة من يدرك حجم مثل تلك المخاطر ومدى قدرتها التدميرية التي كان من المحتم أن تطول مختلف العراقيين بلا استثناء جراء وضع أيديهم بأيدي الغاصب الأميركي وحلفائه, والتي من بعض مظاهرها التعايش المتواصل مع شح الماء والكهرباء والأغذية والأدوية والمحروقات? أما السؤال الثاني الذي يطرح نفسه فهو: ما مفهوم المعارضة, وهل دورها يتلخص بإسقاط النظام أو الإسهام في إسقاطه? في رأيي الشخصي إن مفهوم المعارضة هو الأكثر التباساً في معجمنا السياسي- عرباً ومسلمين- والسبب الرئيسي الذي يقف وراء هذا الالتباس هو تحديد دور وظيفة المعارضة بشكل جلي . معروف أن مصطلح معارضة هو غربي بحت وأنه ترجمة حرفية لكلمة (opposition) لكن هذه الترجمة القاصرة والمبتسرة هي التي شوهت هذا المفهوم الحيوي حين حصرت مضمونه في إطار مفهوم مناوأة السلطة أو مناصبتها العداء أو قلبها, فعلى سبيل المثال فإن ترجمة عبارة (on the opposite side) هي (في الطرف المقابل) وليس في (الطرف المعارض). وعليه فإن المعارضة في المفهوم الغربي تتلخص بأنها برامج سياسية مغايرة ومقابلة لبرامج سياسية أخرى, مع التشبث الأكيد بأن يكون المفهوم الأساسي للمعارضة هو خدمة الوطن ووضع مصالحه العليا فوق كل مصلحة أو اعتبار. إذا ما تفحصنا الأمر جلياً نجد أن المعارضة عندنا هي خليط من مجموعات شبه عشوائية تبدأ من معاداة النظام والسعي لإسقاطه بشتى السبل الممكنة, الشرعية منها وغير الشرعية, وتندرج بعدها إلى المناوأة والمشاكسة والمعارضة بغرض المعارضة, وإلى معارضة تستقوي بالخارج ومعارضة وطنية تعمل في الداخل وإلى لا موالاة وأخيراً إلى لا مبالاة والتي هي الأخطر, وعلى الأخص بعد انتشار الإسلام الشكلي الذي يركز على العبادات فقط وعلى عذاب القبر والثواب والعقاب والجنة والنار, دونما قدرة على الانطلاق إلى الفضاءات الحضارية والأخلاقية الفسيحة للإسلام ودونما تفاعل مع قضاياه الراهنة والتحديات التي يجابهها, فما بالك بنظرة هذه الشريحة الواسعة إلى الوطن وهمومه إذا كان الخلاص الفردي هو الديدن والشعار عندها? وفي الجهة المقابلة فإن مفهوم الموالاة نفسه غائم وملتبس أيضاً, فثمة العديد من المرتزقة والمنتفعين والوصوليين والمكتسبين والطفيليين يدعون أنهم يدافعون عن البلد وعن النظام في حين إنهم يدافعون عن مكاسبهم الشخصية فقط, وواضح أن الأمور لا يمكن أن تستقيم إلا في معالجة عيوب وأعطاب الطرفين. وأعتقد أنه آن الأوان لأن يرد الاعتبار للقيم النضالية, بمعنى أن يكون الانتماء للحزب مسؤولية وطنية وليس امتيازاً مصلحياً, فمجموعة المناضلين الشرفاء بين صفوفه لا يمكن الاستهانة بها وهي قادرة على تحقيق التغيير المنشود. وحيث إن الشعب هو المنتفع أو المتضرر الأول والأخير من أي تغييرات قد تحدث فلا بد من إيجاد وسيلة لاستنهاض روحه بشتى السبل الممكنة لجعله قادراً على الدفاع عن حقوقه ومستقبله ووطنه.
|
|