تؤكد الخيارات الحرة التي ارتضاها قادة تلك البلدان ازاء السياسة المتغطرسة لواشنطن تجاه بلدانهم وفي عموم القارة اللاتينية, وهو ما ينبغي أن يشكل نموذجا يحتذى في بقاع اخرى من العالم حيث السياسات الاميركية نفسها التي تتجاهل مصالح الشعوب الاخرى وتصر على التدخل السافر في شؤونها الداخلية .
والواقع ان صعود اليسار في القارة اللاتينية بات يشكل تحديا كبيرا للولايات المتحدة فيما تسميه حديقتها الخلفية . وجاء هذا الصعود اثر سلسلة الاخفاقات التي منيت بها السياسات الاقتصادية التي اتبعتها معظم دول أميركا اللاتينية في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي, والتي حظيت آنذاك بدعم المؤسسات المالية الغربية ومست نتائجها السلبية الطبقات الفقيرة بشكل اساسي.
كما ان عملية( الدمقرطة )نفسها التي بدأت تنتشر في القارة منذ نهاية الثمانينيات مع تحلل الأنظمة العسكرية شكلت قوة دفع لصعود اليسار بمؤازرة من الاتحادات العمالية الناهضة بدورها مقابل تراجع مواقع النفوذ التقليدية والأحزاب القائمة ومؤسسة الجيش.
واللافت أن انهيار الاتحاد السوفيتي ساعد في هذا الصعود اليساري أيضا حيث أدى انكفاء الحرب الباردة التي كان المد الشيوعي في ظلها يشكل تهمة كبرى تقاومه بشدة السياسة الاميركية الى فتح المجال واسعا أمام الاحزاب الشيوعية والقوى اليسارية .
وفي ظل هذه الاجواء كان رفع الشعارات المناهضة لاميركا كافيا لرفع شعبية أي زعيم صاعد خاصة في ظل الصور القاتمة التي ارتسمت في القارة ازاء القيادات التابعة لواشنطن والتي اقترنت بالفساد والقمع ومناصرة الاغنياء على حساب الفقراء.
ان التطورات الاخيرة فضلا عن أنها تؤشر الى الحساسية الشديدة لشعوب تلك المنطقة ازاء التدخلات الاميركية في شؤون بلدانها, فهي توجه رسالة جديدة واضحة وحاسمة للادارتين الاميركيتين الحالية والمقبلة , بضرورة أن تراجع واشنطن سياساتها القصيرة النظر حيال القارة اللاتينية على اساس من الندية والمصالح المتبادلة