تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


بين النفاق وصبغة شعر الرجال

معاً على الطريق
الخميس 4-6-2009
عبد النبي حجازي

رأت زوجها منهمكا بنتف الشعرات البيضاء من حاجبيه وشاربيه ورأسه، مقتلعا الشعرة من جذورها فصرخت مذعورة( إن كل شعرة بيضاء تنتشها ينبت مكانها أربعون) وسواء أكان كلامها صحيحا أم وهما طفق الشعر الأبيض يكثر في رأس الرجل حتى تساوى مع الغامق,

أو كما يقول العامة صار(سلق بلبن) فلجأ إلى الصبغة, والحقيقة أن الصبَّاغ مهما كان ماهرا والصبغة مهما كانت جيدة ودرجات ألوانها دقيقة لا يمكن أن يعود الشعر إلى لونه الحقيقي: الأشقر أو البني أو الأسود.. ويبدو الشعر المصبوغ منفراً مزرياً بسبب الفرق بين فطرة الخالق, وتطفل المخلوق.‏

إن الناموس العام يرينا أن الشيب يغزو رأس الرجل مع تقدم السن لكنه يتفاوت تفاوتاً بيناً بين رجل يبدأ الشيب بمداهمته منذ سن العشرين وآخر لا يقترب منه حتى لو بلغ السبعين, وإن ذعر بعض الرجال من تقدم السن عندما يحومون حول الأربعين يلجئهم إلى الصبغة وكأن واحدهم يتوهم أنه يدفع الموت, كما ينضاف إلى هذا التوق إلى معاقرة النساء, وإن الرجال الذين يحرك الشيب هواجسهم ، معظمهم من المشاهير كالمشتغلين بالفن أو السياسة، وإن الرجل الذي لا يمد أصابعه إلى رأسه هو الأكثر احتراما في أوساط الرجال, والأكثر قرباً من قلوب النساء, إنهم يرونه رجلا حقيقيا تطمئن إليه القلوب, ويرون الآخر مزيفا تغلق في وجهه الأبواب.‏

وإن اعتقاد بعض الرجال أن صباغ الشعر لياقة تقرب الآخرين منهم كحلاقة اللحية, ودخول الحمام واعتقادهم أن عدم الصباغة ينفر الآخرين كالإفراط في أكل البصل والثوم .‏

ومن الطرائف في هذا المقام أن بعض الممثلين الذين يصبغون شعرهم ويسند إليهم «دور» يقتضي ظهور الشيب، يصبغون خصلا من شعرهم ينشئ حاجزا بينهم وبين جمهورهم أو على أقل تقدير يهبطون إلى درجة أدنى, وعندما تتسع آفاق نظرنا نرى أن الدول والجماعات السياسية تشبه الإنسان المفرد وتكون مظاهر الصباغ حواجز بينها وبين جماهيرها فتهيم في واد غير واديها.‏

أنا لا أفهم كيف نحرر فلسطين ونحن نعقد جلسات المصالحة وتنقية الأجواء, والاتفاق على مواقف موحدة من جانب, ونقتتل وتسيل الدماء من جانب آخر, أليس هذا تضحية بالمواقف البطولية وهدرها على طاولات الاجتماعات ولحى الوسطاء وعلى أرض الواقع المر... حتى لم يبق لنا من وسيلة للنضال سوى التصريحات والخطب، فنواجه عدونا الشرس من حيث لا نشعر بالكلام ونسانده بالمواقف, ولا أفهم كيف نبتسم لأعدائنا المباشرين وغير المباشرين ونتجهم في وجوه من يعقدون الآمال علينا.‏

إننا بحاجة إلى مواجهة النفس بالحقائق القائمة والتصدي لها بالإمكانات المتاحة ولو بأقلها شأنا، نقوّمها بلساننا كصرخة في الوجوه.. وإلى مواجهة الشعوب بالصدق والشفافية حتى نحفظ الأمانة, وإلا فما الكراسي التي نتمسك بها إلا كصبغة الشعر لا تغنينا ولا تحفظ الأمانة التي وضعها التاريخ بين أيدينا؟‏

anhijazi@Gmail.com

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 عبد النبي حجازي
عبد النبي حجازي

القراءات: 2149
القراءات: 1087
القراءات: 1096
القراءات: 1085
القراءات: 1288
القراءات: 1112
القراءات: 1048
القراءات: 1333
القراءات: 1300
القراءات: 1153
القراءات: 1683
القراءات: 1209
القراءات: 1771
القراءات: 1252
القراءات: 1208
القراءات: 1309
القراءات: 1246
القراءات: 1329
القراءات: 1313
القراءات: 1323
القراءات: 1539
القراءات: 1698
القراءات: 1486
القراءات: 1403
القراءات: 1835

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية