قصة لم يكن بالإمكان , مثل الكثير غيرها, إعادة إلصاقها بأحد سوى المتطرفين التكفيريين , فكان التنصل منها ومن ثم استنكارها وشجبها .. أفضل كثيراً من اتهام الآخرين بها ..!
لا أقصد إعادة رواية القصة , بل إعادة رواية المواقف منها ومن أمثالها .. مواقف طيف من المعارضة السورية التي دأبت على توصيف نفسها بالثقافة والعلمنة , أراها اليوم أكثر إيلاما في تطرفها من الألم الذي جاءت به الأطياف المذهبية التكفيرية من الوهابية وسواها , ذلك أن الألم المتغلغل فينا تكتيكياً , على طريقة الانسحاب التكتيكي إياه , لا يوازيه ذلك الألم الذي تغلغل فينا استراتيجياً ومنذ بداية الأحداث .. على يد أولئك المعارضين من مدعي الثقافة والعلمنة , والذين كانوا , ولا زالوا , أكثر تطرفاً من التكفيريين أنفسهم وإن لم يكن تطرفهم قائماً على قاعدة الدين أو المذهب .
قد نلتمس لرجل الشارع البسيط العذر في أن تأخذه الأهواء والجهل بالأشياء في دروب من الخطيئة والانحراف سواء في إنتاج المواقف أو تبنيها , وقد نلتمس له العذر في أن يكون في لحظة ما وفي مكان ما محددين ضحية جهل معرفي أو إعلام مزيف أو تهويل عاطفي .. لكن :
كيف ألتمس العذر لمثقف علماني معارض أدرك ضآلة حجمه ودوره في الشارع , فالتمس جماهيرية التجييش والصخب من قرقعة سيوف وسواطير الغارقين في التطرف الديني المذهبي .. الضالعين حتى أنوفهم في مشاهد الجريمة البدائية الهمجية ... وهو يعرف سلفاً أنه , ورغم تحالفه معهم , إنما هو صفر مكعب في معاييرهم ومكاييلهم ؟
كيف ألتمس العذر لمثقف علماني معارض أن يكون , وبإرادته , الحصان الطروادي للمتطرفين التكفيريين القتلة , في أن يغسلوا بمائه وجوههم السوداء .. وباسمه سجلاتهم المخزية , وبلسانه مؤخراتهم وتواريخهم القذرة .. وعلى يديه يعيدون اصطفافهم في هوامش الاعتدال والسماحة .. كذباً وخداعاً وتعمية للناظرين من البسطاء من قليلي الإيمان والمعرفة معاً ؟
كيف ألتمس العذر لمثقف علماني معارض يتكىء في ادعاء ثقافته وعلمانيته ونزوعه إلى الديمقراطية على رموز الجهالة والتطرف والتعصب وجماهيرها .. ثم يأتيني زاعماً أنها الثورة وتحالف الثوار ؟
اليوم يتهاوى أبناؤنا وبيوتنا ومنشآتنا تحت ضربات الإرهاب والتكفير والتطرف , وغداً سوف يتهاوى الكثير الكثير من مفاهيمنا ومصطلحاتنا ورؤانا ورموزها وشخوصها تحت ضربات الحساب وإعادة الإعراب !!