فإذا كان الاعتراف بالخطأ أولى الخطوات الضرورية , فإن استكمال هذه الخطوات يشكل الدليل على الرغبة في التخفيف من المآسي التي أدت إليها تلك الأخطاء, بما في ذلك العمل على تطويق النتائج الكارثية التي قادت إليها .
وبالتالي فإن الخطوة التالية التي لابد منها تقتضي الاعتذار عن هذه الأخطاء, وخصوصا حين يكون ذلك الخيار الواقعي الوحيد ,بعد أن بالغت الإدارة الأميركية في تحديها للمجتمع الدولي , وللامم المتحدة , حين وقفت وحيدة في مجلس الأمن مع دائرة ضيقة جدا من حلفائها , ما لبثت أن ضاقت أكثر بعد انسحاب اسبانيا إثر خسارة حكومة أزنار للانتخابات التشريعية .
ومثلما كان الاعتراف غير كاف , فإن الاعتذار أيضا لا يحل المشكلة , ولابد من الإقرار بتحمل التبعات , بكل ما ينطوي على ذلك , وما يترتب عليه, ولن يكون متاحا إلا من خلال مساءلة المسؤولين عن هذه الحرب الخاطئة من بدايتها وحتى نهايتها , والكارثية منذ لحظتها الأولى , وتتوالى فصول الكارثة فيها مع استمرارها .
وبالقدر ذاته من ترابط العلاقة بين الاعتراف والاعتذار والإقرار وتحمل التبعات , يكون أيضا بالتعويض للعراقيين الذين خسروا حياتهم , وفقدوا دولتهم ومؤسساتها , ويكادوا أن يخسروا وطنهم الذي يقف اليوم على ابواب حرب أهلية, كانت بعض تلك الأخطاء الأميركية كافية لتفاقم عوامل اندلاعها , وتساهم في تاجيج معطياتها . والأهم من ذلك الإسراع في تدارك ما يمكن تداركه عبر العودة إلى مجلس الأمن وتقديم الاعتذار للدول التي عارضت الحرب , وللشعب العراقي الذي دفع الثمن غاليا لتلك الآلاف من الأخطاء , ومن ثم الإسراع في محاسبة المسؤولين عنها , وتكاتف الجهود الدولية لتطويق ما يمكن من النتائج الكارثية التي تستبيح الأخضر واليابس . إن الاعتراف الأميركي بعد طول مكابرة يفتح الطريق أمام المجتمع الدولي للعودة إلى ساحة الحدث العراقي, كعامل إنقاذ مما تقود إليه الأخطاء الأميركية المتراكمة , وكعنصر إجماع على وضع حد للاحتلال الأميركي , وإتاحة الفرصة أمام العراقيين لإعادة بناء بلدهم , والنأي بها بعيدا عن آتون المخطط التدميري الذي أوصلهم إلى حافة الحرب الأهلية .
لقد آن الآوان لأصوات الحق في المجتمع الدولي أن تعود إلى الساحة الدولية بعدما انحسرت بحكم الطغيان الكامل لحالة الاستلاب التي مارستها الإدارة الأميركية عبر سياسة الإملاء , والرمل لم يعد ينفع لطمر الرأس , لأنه متحرك يهدد بالابتلاع.