هنا ساقية يقولون إن (الضبعة) تسكنها وقد سميت باسمها.. وهنا صخور شامخة يقولون إنها تماثيل لمعرسين كانوا يمرون من هنا, وقد اساؤوا للطبيعة والخالق فجمدهم في وضعهم.. وكانوا يسمون الصخور.. هذا هو العريس وهذه هي العروس وهذا الطبال وهذا الزمار.. وهذا شاب يمسك يد صبية الى آخر قائمة المعرسين في تلك الأيام.. وكان يسكنها الجمال الموحش.. اليوم لم تعد كذلك.. بل لم تعد لها معالم.. من جوارها تمر طرقات أخرى لا يسكنها إلا السيارات بما حوت.. غابت الوحشة لكن.. بصراحة بقي الجمال.
كان الذين يقصدون بانياس لإحضار مواد تجارتهم يستيقظون قبل الفجر.. ويسوق الواحد منهم دابته فيصل المدينة الساحلية الصغيرة دائمة النشاط مع بدايات أسواقها وبازارتها.
وفق الاتفاق المبرم شفهياً بين المغرب والعشاء, حضر محمد أسعد الى بيت القرحيلي كي يوقظه فيتجها معاً الى بانياس.. طرق الباب وانتظر حتى فتح القرحيلي وبدأ يستغفر ربه ويسبحه, فصرخ من أمامه: إنها (الضبعة).. هيا عليها.. كانت الضبعة وحش القرية الذي يحضر في خيالاتهم ومعظم حكاياتهم أكثر بكثير مما يحضر في الحقيقة.. وعن الرعش أمام بيت القرحيلي تناولت يدان الأحجار المناسبة وراحت تقذف بكل قوة على ذاك الجسم الذي يفترض أنه الضبعة, والذي كان يرسل أنات استنجاد مكتومة.. لم يكن ذهن القرحيلي قد استيقظ بعد كي يفهم أنها أنات حماره وليست أنات الضبعة.. فهم ذلك فقط عندما سمع شهقات ضحك محمد أسعد وهو يقول له: بس.. حاجته..
- حاجته..?! من هذا الذي حاجته..?!
فرك عينيه وركز بصره, فاكتشف أن الضبعة المزعومة ما هي إلا حماره.. وقد فكه من رباطه محمد أسعد ليخرج ذاك المشهد من مسرحية حياتهم المعقدة البسيطة وقد اشتهر فيها بالمرح والرغبة في الضحك والاضحاك.
إليهم أحبائي أولئك الذين منعهم ظلام الأرض أن يفرقوا بين الحماروالضبعة.. لكن ظلم الدنيا لم يمنعهم من أن يرسلوا من قلوبهم ضوءاً لتكتب كلمة الحب والحياة على أوراق سورية الجميلة, ضوءاً لنا يهدينا الى طرقات غيرتلك التي عبروها..
إليهم أحبائي المسحوقين المقهورين من قضى منهم ومن ينتظر.. إليهم من بين أوراقك, أوراق الحب, قدمت أوراقي أن التزم بهم مدى الحياة, أو أن أبحث عنك حتى أجدك لتكون قصة الحب هذه بيننا..
حب يضنيني بقدر ما يفعمني.. وكلما التقيتك تولد في داخلي إرادة أن أرفض الستين كي أستمر في العشق الى النهاية..
هل للعشق عمر..?! هل لسورية الجميلة نهاية..?! أبداً فكل يوم تولد بداية للحكاية.. وأنت بدايتها ونهايتها.. طقوس الحب تقتضي أن أعترف لك أن الحب في قلبي ولد معك وأن روحي تعشقك أنت يا وطني.