وتتدحرج في صباحاتها الكتيمة تتقلّى على انتظار اكتمال هويتها أو استقرارها على حرب جديدة تلوك فيها حيواتها وتدّمر الجسور بين أشجارها ..ماذا تفعل?
في بلاد تعبد أجدادها وتنسى مستقبل أبنائها وأحفادها. بلادً تئدُ عصافيرها وتطمر زهورها وتهيل التراب على ينابيعها.. ماذا تفعل?
هي الشوراع يملأ ظهرها الناس,تطويهم في ظلال عماراتها, المدن فيافي, والأعمدة هاجرها دومري العشيّات. البيوت استيطان للفزع المستديم من قلق الهجرة والتهجير.الحدائق افتعال الخضرة واقتراف الماء المصنّع والمكرور..وأنت السائر تبحث عن دفء الزوايا ولين التكايا..ماذا تفعل?.
ما الذي يفعل الأليف في وكر الطوائف..ما الذي يجلب للمحِّب شال الحبيبة الليلكي, أو طيارات ورق الأغاني..بل ماذا تفعل فيروز في هذي البلاد المتصحّرة القلب, وهل من مكان لإيقونة الصوت وبخور الأوتار?.. هل المشكلة في السياسة أم في الانتماء أم الهوية أم الكذبة التي نستحلي ابتلاعها, أم في الفرد الأحد, أم الجمعِ الخانع.. أم أن الريح ما تزال وستبقى تحتنا تقلقلنا وتذرو أحلامنا?.
رويداً رويداً يفقد الضوء التماعه والبحر زرقته والخضرة يناعتها في بلاد قُلنا أنها جنة, أو صدّقنا أنها كذلك, مع أننا أيضا اخترعنا الناس كي نستطيع قبول الجنان. هكذا نترك أنفسنا نلهو بالكلمات,نتداول الحروف ونلمّع بلاط اللغة, دون احتراق أو ولع, مستعيضين عن المعنى بالتنميق وعن الجمر بالفحم, نتدفأ بالغابات بعد غلاء الزيت الأسود .
هكذا نسعى على توقيت جرس ساعةٍ لم نخترعها, وعلى وقع أحذية من جلودنا, وألبسة من كتّان غريب في هذا المكان الذي نحياه وعيننا على غيره..هل سألنا أنفسنا لماذا وكيف..هل أرّقتنا أنياب الأسئلة?.
كنت أحاول الهروب من وقاحة السياسة وطينها الجاثم على هذا النهار الكانوني,لكن الدروب تأخذ كل الجهات إليها..فها نحن مشروع بلاد ومشروع وطن ومشروع هوية ومواطن,مشروع مهاجر أو رحّال أو مسافر ..إننا مشروع مؤجل, كل شيء في هذي البلاد الصغيرة صغير ومؤجل...الأفكار, العبارات, المدى..لا كبير إلاّ هذا السقوط المسائي المؤجل أيضا..فماذا تفعل?.
إنه المساء والفراغ,نخترع الكلمات,الرئاسة في فراغ,الكرسي فارغ إلاّ من قماشه,العلم فارغ إلاّ من اللغة..الشوراع فارغة إلاّ من ... في هذه المساءات..لأنه ما من يوقظها من إغفاءات الأجوبة المبسترة.اذهب إلى النوم إذاً ودع الموتى يدفنون موتاهم..هل كان ابن مريم يقصدنا ..أم نحذف هل?!!
كاتب لبناني
ghassanshami@gmail.com