تكرر غير مرة ذلك المشهد الكاريكاتوري تجاه الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل في مدى ستين سنة من الصراع العربي الإسرائيلي , وكانت الغاية على الدوام تخليص إسرائيل مما ارتكبته وغسل يديها من دماء الآخرين .
الحالة الوحيدة المناقضة لذلك المشهد كانت حين كلف القاضي ريتشارد غولدستون التحقيق في المجازر التي ارتكبتها إسرائيل خلال عدوانها على غزة مطلع العام 2009, ورغم يهودية الرجل ومعيشته في إسرائيل , إلا أنه , وأمام هول تلك المجازر , لم يستطع تنظيف اليد الإسرائيلية كاملة من الجريمة , وجاء من العرب , ويا للعار , من أكمل مهمة تنظيفها عنه !
اليوم يدور النقاش حول طبيعة وجهات التحقيق الذي سيتناول العدوان الإسرائيلي المتعمد والمبرمج على أسطول الحرية وعلى السفينة التركية « مرمرة » بالذات التي تقدمت الأسطول ودفعت الثمن الأكبر في ذلك العدوان , ويجري العمل الإسرائيلي الأميركي حثيثاً كي تكلف إسرائيل نفسها مهمة التحقيق , أي أن تغسل يديها مجدداً من الجريمة وعقابيلها , وأن تبرأ , بالتالي , حفنة العنصريين المتطرفين الذين يحكمونها من حقيقة اتخاذهم قرار العدوان على الأسطول عن سابق عمد وتصميم , وتحميل أحد ما غير رسمي في إسرائيل تلك المسؤولية , والقول في نهاية الأمر أن ما حدث لم يكن قرار دولة ذلك الكيان الإرهابي , بل خطأ أحد الذين شاركوا في العدوان من الجنود والمرتزقة , وعن غير قصد وتعمد .
ربما يحتاج العالم إلى آلاف اللجان النزيهة والحيادية والشفافة للتحقيق في سلسلة الجرائم غير المنتهية التي ارتكبتها إسرائيل , غير أن الجريمة الأخيرة على أسطول الحرية لا تحتاج لجنة تحقيق بقدر ما تحتاج لجنة إدانة , فالجريمة واضحة وضوح الشمس وكذلك أدواتها وأصحاب قرارها .