والذي اكتفى بإبداء القلق حيال الممارسات الإسرائيلية في مدينة القدس, وتكرار الدعوة لوقف جميع الأنشطة الاستيطانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة, وعمليات هدم منازل الفلسطينيين وبناء جدار الفصل العنصري, لم يخرج عن الخطاب الأوروبي المعتاد المصدر للعرب, والمهادن كالمعتاد لإسرائيل ولسياسات العدوان والتهويد الآخذة بالتصعيد واغتيال البشر والحجر وقتل السلام, في حرب دموية لا متكافئة تستمد استمراريتها ووقودها من الدعم الأمريكي اللامحدود, وعزوف المجتمع الدولي عن اتخاذ المواقف الحازمة والإجراءات الزجرية المطلوبة, الكفيلة بتأمين الحماية للشعب الفلسطيني ووضع حد لمعاناته.
فالعبارات المفرطة في الدبلوماسية وأدبيات التخاطب إزاء إسرائيل, لم ترتقِ إلى سوية الوضع الملتهب والمتفجر الخطير, والمسؤولية التاريخية المتوجب على أوروبا الاضطلاع بها إطفاء للحريق, ومنعاً له من الامتداد والتوسع وصيانة للأمن والسلام في هذه المنطقة المضطربة, باعتباره جزءاً لا يتجزأ من منظومة السلام العالمية, ولا قدمت جديداً للقضية الفلسطينية ولنضال العرب العادل من أجل استرجاع الأراضي والحقوق المغتصبة, سوى الكلام المعسول والمكرر المفتقد الرصيد والفاعلية والذي لا يلزم المعتدي الصهيوني بشيء, ولا يعدو أكثر من كونه مجرد كلام للاستهلاك ورفع العتب.
مثل هذه المواقف والتي تشكل تراجعاً آخر عن الموقف الأوروبي التقليدي حيال الصراع والتسوية, وانضواء طيعاً للقارة المصنفة من قبل إدارة بوش ب (العجوز) تحت المظلة الأمريكية, تحرج الأوروبيين بقدر ما تخرجهم من ساحة المنطقة سياسياً واقتصادياً, وتترك لواشنطن وتل أبيب حرية التحرك والتفرد وفرض أجندتهما تلك التي تتخصص بإسداء الخدمات للمشروع التوراتي, ولاحتكارات المال والنفط والسلاح على حساب العرب وقضاياهم, وبتحد لا سابقة له للقانون الدولي وانتهاك لمبادىء ومواثيق الأمم المتحدة, يتموضع بامتياز في خانة الإرهاب الرسمي المنظم بأعلى درجاته ومستوياته وأبشع صوره وأشكاله.
والسؤال: إذا كان إبقاء الأزمة على وضعها الحالي من الغليان والتفجر, والإمعان في إحراق المنطقة وإغراقها في الفوضى والاضطراب وعدم الاستقرار, وتركها عرضة للاستباحة والقتل والتدمير اليومي المفتوح, والإبادة والتصفية العرقية لشعب أعزل في فلسطين أم في العراق, وبطغيان فاجر ومرعب لمشهد الدم لا يفرق بين طفل وامرأة, تصنع فصوله الآلة العسكرية المتطورة, وباستخدام هستيري للأسلحة المحرمة والطيران الحربي والصواريخ الموجهة, إذا كان ذلك كله مطلباً وتوجهاً إسرائيلياً-أميركياً ومصلحة لهما كما يعتقدون, فأي مصلحة لأوروبا في ذلك وفي ممارسة سياسة الاستقواء والاستضعاف والاستعداء والإملاء المسوقة لهذه السياسات والمشاريع, وانتهاج ازدواجية ظالمة تبرىء الجلاد والمعتدي الغاصب وتشرع جرائمه, وتجرم الضحية وتصر على سلبها حتى من أبسط حقوقها?!.
لقد آن للأوروبيين ولساسة الولايات المتحدة أن يدركوا أن هذه المنطقة بأرضها وثرواتها, وبالثلاثمئة مليون مواطن من أبنائها ليست بضاعة تحت الطلب, ولا مشاعاً وخزائن مشرعة للاقتطاع وتسديد حسابات قديمة, وإبرام صفقات تمنح لإسرائيل على سبيل الابتزاز وتعويضاً وتكفيراً, عن عقد وذنوب وارتكابات ما كان للعرب يد فيها, وما من مشروعية في تدفيعهم إلى ما لانهاية أثمانها مالاً ودماً وأمناً وسلاماً مفقودين, عجز أدعياء الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان عن توفيرهما, وما اكتفوا بوضعية شاهد الزور والمسبب لكل ما يجري, بل زادوا في معاناة المنطقة وآلام ومظالم الشعب الفلسطيني, وتشجيع (إسرائيل) الكيان المدلل على مواصلة ذبحه.