على هذه القاعدة لا تبدو محاولة استهداف قناة الميادين وطلب وقفها من قبل شركة «عربسات» خارج سياق المنظومة تلك، وإن حاولت أن تتلبس برداء من الحديث القانوني أو الميثاقي الذي بات مدعاة للسخرية إلى حدّ الهزالة السياسية المعاصرة، وهي ترتدي في أغلب الأحيان قناع العلاقة بين دور الإعلام والوصاية المالية والإملائية عليه، بعد أن عجزت عن فرض وصايتها السياسية.
هذا الإجراء لم يكن الأول من نوعه، وليست المرة الأولى التي تحضر فيها الأجندة السياسية الموغلة في سطوتها كي تفرض معاييرها ومقاييسها على الإعلام العربي ومكوناته، فقد سبق أن حاولت وفعلت وإن لم تنجح في ذلك بشكل كلي، رغم ما فيه من مخالفة صريحة لميثاق عملها ولعقد إطلاقها، وخروجها الفظّ على أبسط المعايير المهنية والمواثيق الإعلامية بكل ما فيها وما عليها!!
لكنها اليوم لا تكتفي بالدخول في المحظور من البوابة الإعلامية، بل تأتي محمّلة بأجندات المال والسطوة وصولاً إلى «فقه» الإلغاء الذي يصل في منظومة التحدي القائم إلى فعل القتل والتشفّي، حيث لا رأي يعلو على رأي الإلغاء، ولا موقف يسبق موقف الإقصاء، ومع ذلك من لا تصلُح معه المقصلة مباشرة عبر القتل يكون الإلغاء سبيلاً وطريقة لفعل ما هو أبعد من سياق الحالة وما تتطلبه من مرافعات في الإعلام وأصوله ودوره، والأخطر في أنه يسجل حالة غير مسبوقة على النطاق العالمي، يدخل في نفق التحريم وما يستجره من موبقات مرافقة أو موازية على النسق ذاته.
بهذا المنظور تتحول الهياكل السياسية العربية إلى مجرد توابع تغرق الفارق الهائل بين سياسة الحرمان وبين منهج الإلغاء كطريق وحيد للمواجهة، حيث الصراع ليس على خروج هنا أو دخول إلى مناطق محظورة هناك، بل في ميثاق مطواع يتلبس الحالة وفق الحاجة وحسب الطلب من المال النفطي.. الآمر الناهي في المعايرة السياسية القائمة على مصادرة ما هو مخالف أو لا يستجيب لأجنداته.
ربما المسألة هنا تتجاوز حدود الممكن والمتاح لتصل إلى زمن العهر الذي أوصل الأشياء بكل ما فيها وما عليها إلى مستوى المطابقة بين الجرم الإرهابي بشكله الإلغائي وبين الفعل الإقصائي، باعتبارهما حالة متعمدة تعكس أقصى حالات العجز والفشل والخوف والقلق وتترجم مظاهر الهزيمة الموصوفة والموضوعة على نسق من التوصيفات المقابلة لها أو المواجهة لها.
المعركة ليست إعلامية بحتة ولو أخذت هذا اللون أو اعتمدت على مواصفاته وتحليلاته، بل هي سياسية أيضاً، والأخطر أنها في مواجهة وجودية.. حالها في ذلك حال المواجهة مع الإرهاب، حيث الإلغاء شكل من أشكال الإرهاب، وإن اختلف شكل المقصلة أو هيئة المنفذين وأدوارهم، والأكثر خطورة أن من يقف خلفه هو ذاته من يقف وراء الإرهاب وتنظيماته، لذلك هي في نهاية المطاف معركة واحدة بجبهات متعددة وتوصيفات متلونة تقود إلى الخندق ذاته بأسلحة متدرجة.
معركة الميادين -كان الإعلام السوري بقنواته المختلفة قد خاضها من قبل ولا يزال- ستبقى معركة كل الإعلام العربي في مواجهة سطوة المال النفطي الموغل في هيمنته وتراكمات سيطرته المطلقة.. ذلك المال المدجج بعقل بدائي حاقد وظلامي كان المنتج للإرهاب الإعلامي والتكفيري وتجلياتهما في التنظيمات الإرهابية المنتشرة منذ انطلاق بذرة وجودها الأولى في الفكر الوهابي، وهي تستكمل حلقات الإرهاب فيها بما حققته من معايير تريد أن تغلق العقل وتنطق باسمه من دون أن تستأذن حتى حين مصادرته أو تحييده.
الفارق أن المعركة فتحت جبهاتها على نطاق أوسع، وكلما اتسعت أكثر فإن ملامح حسمها تبدو أقرب، وكلما بانت على حقيقتها وأشهرت عن أدواتها وسياقاتها وسراديبها الخفية منها والمعلنة، كانت الكفّة الأخرى أرجح وأكثر قرباً من نهايات لا بد أن تتضح، وأن تفرض معاييرها في مواجهة لا تقبل أنصاف الحلول حيث الاصطفاف شامل ومحسوم بين جبهة الإرهاب وداعميه وبين جبهة تتسع حواملها الشعبية على المستوى الميداني والعسكري والسياسي.. وأخيراً وليس آخراً على المستوى الإعلامي الذي يُراد له أن يكون أمام مقصلة الإلغاء كدريئة إضافية في محاولة تسجيل النقاط على بساط المواجهة المفتوحة..!!
a.ka667@yahoo.com