تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


أرصفة الحياة وصناعها

آراء
الخميس 5-12-2013
ديب علي حسن

منذ أسابيع كان الصديق الذي غذّ السير نحو الأردن يتواصل معي، بدردشة عابرة على صفحة الملهاة البشرية الحديثة (الفيسبوك) بعد السلام والتحية، جاءت كلماته وكأنها تحمل نغمة اليأس والحزن والألم، أسأله: متى تعود..!؟

ها قد أمضيت عدّة أشهر حيث أنت..؟ بناتي خبأن جوازي سفري.. أنا أتألم، وخائف على ما يجري.. تتألم.. نعم أتألم، وهل هذا أمر غريب.. الألم مفتاح الحياة، كما العمل فلا حياة بلا ألم أو أمل، أليس الجذران ( ألم وأمل) واحداً..؟ نتألم كلنا، نشعر أن أشلاءنا تتطاير في كل حدب وصوب، نحن الذين نعرف أن الحياة هنا، لا في الأردن، ولا في لبنان، ولا في تركيا، ولا في أي بقعة أخرى أبداً.. تتألم يا صديقي هذا أمر لا نناقشك به، لكنك خائف علينا.. هنا المأساة لا الملهاة، الخوف والحياة ليسا صنوين أبداً، بل هما في عراك دائم، الخوف قد يكون عاملاً إيجابياً وفاعلاً، وقد يكون مدمراً وهداماً ألم تقرأ ذات يوم كتاباً ترجم إلى العربية بعنوان: الخوف داء ودواء، أنت الذي اختار الداء لا الدواء من الخوف.. نحن خائفون..؟ نعم.. خائفون من الذي يجري على الأرض من الحرب الكونية العبثية التي يشنها شذاذ الآفاق علينا... بالتأكيد.. لا.. لا.. لسنا خائفين منها أبداً، نحن خائفون على الحضارة المنحدرة نحو الدرك الأسفل، خائفون عليكم أنتم من لم تحسنوا قراءة أبجدية الحب السوري، خائفون على أطفال لم يختاروا آباءهم وأمهاتهم ولكن القدر وضعهم عند هؤلاء الذين لم يحسنوا التعامل معهم.. آلاف الشباب من كل أصقاع سورية يفتدونا بالدم، بالروح، أمهات يزغردن في مواكب الشهادة، في عرس أبنائهن، فمثل هؤلاء الأمهات يكتبن تاريخ سورية، وأم أخرى تذرف الدمع لأن شياطين مال السعودية السحت اغتالت أبناءها بالغواية والضلال.. نحن صناع الحياة، صناع الأمل، نحن بناة اليوم، والغد، نحن الذين سقينا الأرض بالدم، (وليس الفولاذ كيف سقيناه) نحن الذين ترانا اليوم كما كنا بالأمس نعبر شوارع وأرصفة المدن، لا شيء يوقف شرايين الدم عابقة بالحياة.. حيث أنت في منزل، في ملجأ في مخيم، لا يهم لكنك غريب، غريب أنقل لك من أرصفة دمشق نبض الحياة، دروبك التي كنت تعبرها، نعبرها معاً، مازالت هي، خضراء طافحة بالأمل، أرصفة الكتب تزداد، أبو مؤيد. وأبو عماد.. هم مازالوا يفرشون الكتب والعابرون يقلبون صفحاتها.. هل أخبرك حيث أنت أن مكتبات الأرصفة حلت محل الهيئة العامة للكتاب وأخذت دور مكتبة الأسد ونابت عن وزارة الثقافة، لا لشيء إلاّ لأن مكتبات الأرصفة يديرها ويقوم عليها أشخاص آمنوا بالعمل، آمنوا باستمرارية الحياة لم يخافوا، لم يقولوا ليس وقت العمل.. أما الذين انكفؤوا وقالوا: ليس وقته الآن فهم في مكاتبهم حيث الدفء والرفاهية دون نبض الحياة.. بعضهم ربما خائف أن يمسه ضوء وعبق الحياة، كما أنت حيث تلوذ..‏‏

على الرصيف الذي كنا نعبره معاً أمس رأيت شاباً بعمر الورد يتأبط ذراع حبيبته وشوشات تملأ الكون، لم يشغلا بالاً بعبوة ناسفة، ولا بقذيفة هاون، توقفا عند بائع جوال ومضيا في دروب الحلم.‏‏

أرصفة تعج بالحياة، السوريون صناع حياة آمنة، وحدهم يعرفون كيف يبتكرون ويضعون.. أرأيت أرصفة دمشق وأنت تعبرها.. ليتك تقفل ليت المسؤولين المتدثرين- بعضهم- بعباءات الغياب- يرون أرصفتنا كيف تسمو بالحياة تضج بها.. باعة يفترشون كل زاوية يقدمون ما تريد، كل شيء لك، كل أسباب الحياة والصمود هنا، على الجانب الآخر ستجد صاحب عمل ، يخرج من وراء طاولته وهو يرتدي بزة جميلة يتحدث إلى رجل طاعن بالعمر يمسكه بيده، يعبر به الشارع إلي الجهة الأخرى ويقول له: هذا المحل الذي تسأل عنه ياعم.. لم يخش هؤلاء قذائف الهاون، ولا هدايا آل تيوس من مفخخات.. السوريون يزرعون الزيتون، يغرسون البرتقال، كلهم يصنعون حقول سورية، أسأل هل من سوري لم يغرس شتلة أو غرسة.. في بستان، في أرض، على شرفة.. ورسل تيوس المال هل يعرفون كيف يزرع الحبق والنعناع.. على شرفات الموت ينتهج بالحياة، نصنعها، لمن نقول ليس وقته كما يفعل الكثيرون ممن أغواهم المال، واحتضنتهم مواقع المسؤولية..؟ تعالوا وتعلموا من الأرصفة من الأرض، صناع الحياة، سوريون، تلامذة مدارس، طلاب جامعات، عمال وفلاحون، عمال نظافة تراهم مع قبلة الشمس الأولى وكؤوس النور الأول يعبرون دروب العمل، صناع الحياة بسطاء مجبولون بالعطاء، بالأمل، لهم آمالهم، آلامهم، طموحاتهم، قد يخرجون ولا يعودون إلاّ أشلاء، لكنهم مؤمنون بالقضاء والقدر، مؤمنون بسورية، مؤمنون أن الجندي العربي السوري يصنع آفاق الغد.. وأن الحياة هنا بدأت على سفوح قاسيون وشامة الله على الأرض ستبقى خضراء خضراء، عطرها الندى، وصوتها ملء الندى، وحدهم أبناء الحياة يصنعون مجد سورية والخائفون أينما كانوا صغاراً كباراً، أشباه رجال مسؤولين أو هاربين.. هم العبء الذي تلفظه أرصفتنا.‏‏

d.hasan09@gmail.com‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 ديب علي حسن
ديب علي حسن

القراءات: 757
القراءات: 761
القراءات: 788
القراءات: 676
القراءات: 693
القراءات: 776
القراءات: 844
القراءات: 785
القراءات: 656
القراءات: 862
القراءات: 759
القراءات: 736
القراءات: 724
القراءات: 743
القراءات: 727
القراءات: 677
القراءات: 840
القراءات: 698
القراءات: 771
القراءات: 747
القراءات: 815
القراءات: 783
القراءات: 806
القراءات: 725
القراءات: 772

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية