لم يخني قلبي الذي عرف الرياح من نكهتها, والدروب من مشقاتها, ولم يضله سرابٌ عن الماء.
لم يخني قلبي أبداً.. في الحب أوغل وفي الصداقة أينع وهام على جسر القمر وأدراج الياسمين وصولاً إلى ملفى الغيم.
لم يخني قلبي أبداً.. في العقيدة والسياسة كان صديقي وسراجي, ينقز من كل آفك او ألعبان, يكره العسس والسابلة, وتنفر شرايينه من الأزلام والرعاع.
لم يخني قلبي أبداً.. رغم الليالي السود التي مرت علّي في حزب ضل نيزكه وفي قادة التهموا نياشينهم.
لم يخني قلبي أبداً.. يدمع ويقهقه يغني مثل مزمار فوق صنّين أو ناي في بادية تدمر.. يصرخ عند بوابة فاطمة بانتظار عربة تشبه الصباح توصله إلى بيسان أو الناصرة.
لم يخني قلبي.. أنا من خانه وأتعبه وأعترف بكل اعتذار منه أنني تعاملت مع هذه التفاحة الحمراء الجبلية وكأنها من فصيلة كاتربيلار.
أعترف أنني خنت هذه العضلة, هذه القبضة التي ما خامرني شك, ولن يخامرني بعد أن أخرج من تحت مباضع وأيدي الجراح, أنها يمكن أن تنزل عن مستوى رأسي.
أكثر ما أزعجني عندما كانت السيارة تنهب الطريق نحو المشفى أمران.. أنور وهادي اللذان بقيا وحيدين في البيت وعلى محياهما ألمي, والثاني أنني سأكون كالبعير على سريري في المشفى, فيما يخرج الناس الى تغيير وجه لبنان.
يمامتان حطتا على دربزون الشرفة.. تبادلتا النظر إلى بعضهما, وإلى الغرفة المعجوقة بالآلات الطبية التي تحصي النبض والنفس وترسم خطوط بيان القلب.. تناقرتا.. التفتتا.. ثم طارتا.
غداً عندما أستفيق من التخدير.. أريد أن أرى وجه فادية أولاً وهو يلقي تحية السلامة, وصورة فؤاد السنيورة متأبطاً كلاكيشه وميمماً شطر الاستقالة.. لأنني أحتاج إلى ما تبقى من شراييني.
* كاتب وصحفي لبناني