هذا ما دفع بعض المحللين الاقتصاديين لأن يطلقوا على يوم بدء الازمة الحالية (الثلاثاء الاسود) الموافق لاعلان افلاس بنك (ليمان براذرذ) الذي يعتبر رابع اكبر بنك في امريكا . ويأتي هذا الحديث في سياق الازمات المتجددة للتوجهات الاقتصادية الامريكية على غرار التوجهات السياسية. سبق هذا افلاس /11/ مصرفا من خلال تقديم الوثائق المطلوبة الى الجهات الامريكية المختصة اعتمادا على قانون الافلاس الامريكي وخاصة المادة رقم /11/ . واصبحت ظاهرة الافلاسات اشبه (بتسونامي مالي) يضرب المؤسسات المالية الامريكية. ولن تتوقف الازمة عند حد معين بل نتوقع انها ستمتد الى كل القطاعات الاقتصادية سواء كانت (بطاقات الائتمان او سوق السيارات او الحديد الصلب.. الخ ) انطلاقا من ان عوامل الازمة موضوعية ومتغلغلة في صلب الاقتصاد الامريكي من خلال مجموعة من العوامل ومنها نذكر على سبيل المثال لا الحصر : (الابتعاد عن المنظومة الانتاجية والاعتماد على القطاع المالي القائم على مبدأ التعامل بأصول من الصعوبة السيطرة عليها - ازمة الرهن العقاري وافلاس اكبر الشركات العاملة في هذا المجال وخاصة شركتي (فان ماي وفريدي ماك )- التناقض الواضح والصريح ما بين الادعاءات الامريكية والممارسات العملية لها ولا سيما في موضوع تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية وبأن الاسواق تنظم نفسها بنفسها وفقا لرؤية الاقتصادي آدم ثميث اعتمادا على اليد الخفية.
لكن تبين ان الاسواق بحاجة الى من ينظمها او ان تدخل الدولة ضرورة اقتصادية وقد اعتمدت الادارة الامريكية على تأمين الشركتين العملاقتين السابقتين وفي هذا تناقض واضح مع آلية اقتصاد السوق الحر . وحيادية الدولة وعدم تدخلها بالشؤون الاقتصادية.. الخ ) وهكذا تدخلت الادارة الامريكية مرة اخرى لانقاذ نظامها المالي .. وهذه عبرة للجميع وخاصة في حواراتنا الداخلية كاقتصاديين سوريين بأن دور الدولة مهم وضروري وتتطلبه مقتضيات اقتصادية وليست ايديولوجية فهل نعيد النظر على الاقل ونستنتج العبر لتفعيل دور الدولة الاقتصادي سواء كان عن طريق التدخل المباشر مثل (اصلاح وتطوير القطاع العام او الحكومي بما فيه القطاع المصرفي او عن طريق غير مباشر مثل تفعيل السياسة المالية والاقتصادية مثل زيادة الموازنة الى الناتج المحلي الاجمالي وزيادة الانفاق الاستثماري وتقديم تسهيلات وتوزيع الاستثمارات بما يتناسب مع مواردنا المحلية لتفعيلها واعادة النظر ببعض الاجراءات المتعلقة بتحرير التجارة الخارجية...إلخ).
إن تداعيات الازمة ستترك ظلالها الثقيلة على الاقتصاد العالمي انطلاقا من ان الاقتصاد الامريكي هو من اقوى الاقتصاديات العالمية .
ولذلك فالآثار سوف لن تتوقف في امريكا وان كانت المنعكسات ابتدأت في الاقتصاد الامريكي من خلال ( اهتزاز الثقة بالدولار وتراجع النمو الاقتصادي واسعار الاسهم وتقلب البورصات .. الخ). وهذا ما عبر عنه وزير التجارة الامريكية قائلا: (ان تصاريح البناء انخفضت الى ادنى حد ممكن ولم تشهد مثيلا لذلك منذ عشر سنوات اضافة الى التشدد المبالغ به من قبل المصارف باعطاء ا لقروض وفقدان الثقة في شركات البناء والمقاولات الناجمة عن ازمة الرهن العقاري) اما تداعياتها على الصعيد العالمي فإنه ستتوقف على (مقدار علاقة اي دولة مع الاقتصاد الامريكي سواء كان استيراد ام تصدير- درجة ارتباط العملة المحلية بالعملة الامريكية وخاصة ان الدولار فقد اكثر من 30% من سعر صرفه في السنتين الاخيرتين مما دفع الكثير من الدول لاعادة النظر بربط عملتها بالدولار وربطها بسلة عملات - للاحتياطيات النقدية ومدى تنوعها .. الخ ومن هنا نتفهم الموقف الاوروبي من هذه الازمة والذي تراوح بين موقفين وهما ( وجهة نظر تؤكد شماتتها بآلية ادارة الاقتصاد الامريكي وخاصة في الاجراءات الادارية والتنظيمية ومصداقية الادارة الامريكية في تحديد دور الدولة وترك الامور لعشوائية السوق بل يجب مراقبتها وهذا ما عبر عنه رئيس وزراء فرنسا (فرانسوا فيون) قائلا (لا يمكن لأوروبا تحمل الاضرار الناجمة عن نقص في الاشراف والتنظيم . وان الولايات المتحدة الامريكية تتحمل المسؤولية الكبيرة في ذلك ) . أما وجهة النظر الثانية فقد تضامنت مع الادارة الامريكية واقدم البنك الاوروبي المشترك على ضخ /011/ مليارات دولار للتخفيف من آثارها التدميرية وخاصة ان اكبر المصارف الاوروبية تستثمر في البنوك الامريكية . وهذا ما يفسر ان عشرة بنوك امريكية واوروبية اتفقت على تأسيس صندوق احتياطي بمبلغ /70/ مليار دولار لمواجهة نقص السيولة
اما تأثيرها على روسيا فقد بدا واضحا من خلال التأثير المباشر على البورصات الروسية واعلان الرئيس الروسي (ميدفيدف) بأن مواجهة الازمة من الاولويات التي يجب ان تفكر بها الادارة الروسية وتم تشكيل هيئة متخصصة في وزارة الخزانة الروسية وضخت ما يعادل 10 مليار دولار لتجنب انعكاساتها اما الصين والتي تملك اكبر احتياطي نقدي من الدولارات فإنها اعتمدت اجراءات رقابية صارمة على اسعا رالصرف وتخفيض معدلات الفائدة اما عربيا فإنها ستنعكس على الاقتصاديات العريبة وبنسب تتراوح حول مدى العلاقة مع الاقتصاد الامريكي وخاصة ان الضحية الاولى لها كان تراجع سعر برميل النفط من عتبة /150/ دولاراً الى /95/ دولارا بسبب تراجع معدلات النمو الاقتصادي.
اما في سورية فإن تأثيرها الكبير سيكون على المستثمرين السوريين في امريكا واوروبا وهذا دليل جديد على ان الامان الحقيقي لها هو في ارض الوطن . ام داخليا فإن تأثيرها سيكون محدودا من خلال تواضع العلاقات الاقتصادية السورية الامريكية وتنوع سلة الاحتياطيات النقدية في البنك المركزي.