وحين تكون المعادلة مبنية بمعيار مختلف، أو لنقل حين تعيد رسم المشهد مرئياً من داخله لا بدّ أن تصادفك الكثير من الإضافات المهمة التي تضفي على الخطوات الإبداعية عمقها ، وتجدد فيها أصالة غالباً ما نبحث في جذورها دون أن ندرك الحد الذي وصلت إليه ولا السقف الذي بلغته.
نذير العظمة في الطريق إلى دمشق يرسم تلك الخطوات بإتقان العارف بتفاصيل الخطوات والمدرك حجم الحلم الذي يكتنز تلك الإبداعات المتوهجة من داخل المشهد ويعيد تصديرها لنا بشغاف القلب المولع بتلك الأمكنة والمزهو بقدرته على الإلمام بتفاصيلها.
وفي الطريق إلى دمشق أيضاً نلمس بعضاً من همسات هاربة من زمانها وتتدلى ككف معلق يرفض الخوض في زحمة الهدير الآتي إلينا من خلف الأبواب المغلقة.
وفي ثنايا الطريق كذلك نقف حيث الخطوات المحسوبة في معظم الأحيان غائبة، وتلك المنتظمة تقترب أكثر في ملامحها من فوضى الذاكرة المتخمة بتعابير الحلم، لتقف هناك ترنو بعين شوقها إلى مرابع الصبا وحكايا الطفولة المزروعة على جنبات الطريق ولو طال الوقت.
ليس عبثاً أن تكون بهذا الحنين، وليست تسجيلا للحظة هاربة من زمن بعيد، بل هي في كل الهمسات المضمومة تحكي ما صعب على الكلمات أن تقوله، وعلى الهمسات أن تبوح به.
على تلك الشاكلة من الرسم المتقن تتقدم إلينا الخطوات في الطريق إلى دمشق بوحاً حقيقياً بصلوات الشعر وحنينه، وتعلن من هنا وهناك وفي الوقت ذاته أن الزمان يحضر بسطوته في الكلمة ولو كانت حروفها المكتظة تشي بما تبقى من أسرارها الهاربة.