هل كان ذات مرة مُتحداً حول أيّ منها؟ وهل مرّ بحالة تمرد من أحد أطرافه على ما اتفق عليه وشكل لاحقاً معياراً ومحكاً اعتمده تحت اسم: القانون، الميثاق، المبادئ، التي تُمثل بمجموعها شرعة الأمم المتحدة؟.
ربما لم يختبر العالم سابقاً، أو لم يقع كمجتمع دولي على حالة تمرد مُماثلة للحالة الأميركية القائمة، وإذا كان حصل أمر مُشابه لما يحصل مع أميركا التي تزدري العالم وتستخف بقراراته وقوانينه، فلا يُعتقد أنه مرّ بحالة عجز كالتي يمر بها اليوم، ليس لجهة التخلي عن المُحاسبة بتطبيق صارم لمواد القانون بما يُوقف حالة التمرد، بل لناحية التحاق عدد من دوله بهذه الحالة المُتمردة المُستخفة بالقيم قبل القانون، والتصفيق لها!.
بالأمس استخدمت روسيا حق النقض الفيتو ضد مشروع قرار طرحته أميركا على مجلس الأمن الدولي لتمديد آلية عمل التحقيق باستخدام السلاح الكيماوي في سورية، وأسقطته، لا لأنها لا تريد التحقيق وترفضه وهي من دعا له، بل لأنها لمست منذ الاستخدام الأول لهذا السلاح من قبل التنظيمات الإرهابية أنّ الولايات المتحدة لا تبحث عن الحقيقة، وتُسيّس التحقيق وتريده غطاء لاتهام سورية وشن عدوان مباشر ضدها، وترفض حتى النظر بالأدلة التي قدمتها موسكو ودمشق والتي تؤكد بطلان ادعاءاتها جملة وتفصيلاً.
الفيتو الروسي الأخير، نَسوقه كأحدث مثال على محاولة ضبط حالة التمرد الأميركية، وعلى الإشارة المباشرة لحالة التحاق الآخرين بها رغم معرفتهم حجم الكذب والتضليل والفبركة الذي كانوا شركاء فيه عندما قبلوا فتح حدودهم لنقل وتمرير السلاح الكيماوي عبر المحيطات، لتوريده ووضعه بيد التنظيمات الإرهابية التي تلقت التدريب على استخدامه من خبراء أميركيين وأوروبيين وأتراك!.
حالات استخدام الفيتو الروسي الصيني المُتعددة خلال مراحل العدوان على سورية قد تكون أجهضت المشروع الأميركي الأخطر على المنطقة والعالم، لكنها لم ترقَ إلى مستوى أن تُؤدب واشنطن، أو أن تُعقلن إدارتها وسياساتها. ومع اختلال موازين القوى العالمية الحالي يبدو أن العالم المُنقسم سيبقى أعجز من أن يقود حملات تأديبية ضد أميركا من شأنها أن تردعها وتُخضعها للقانون وقوته، ولاحترام القيم والمبادئ، ولوضع حد لحالة التمرد التي تُمارسها بوقاحة غير مسبوقة!.
الحكومات الغربية التي اجتمعت مُؤخراً في بروكسل على خلفية موقف واشنطن من الاتفاق النووي مع إيران، قد تكون نجحت بتوجيه رسالة قوية لأميركا، غير أنها لم ترقَ أيضاً لمُستوى أن تكون خطوة تأديبية، وستبقى أقل بكثير من أن تحمل مُحتوى حقيقياً بهذا المعنى يُثبت افتراق القارة العجوز عن أميركا ما لم تُراجع كل مواقفها السابقة وتنأى بها عنها، وتتحرر من تبعيتها المُذلة لها، انطلاقاً من وجوب حماية مصالحها أولاً، وأمنها واستقرارها ثانياً، إذا كانت لا تُقيم وزناً للقيم والمبادئ والقانون!.
مُهمٌ للغاية ما تقوم به روسيا والصين وغيرهما، وضروريٌ جداً أن تُشاركهما قوى التحرر في العالم الدور بالتصدي للتمرد الأميركي إسقاطاً لحالة العنجهية والصلف والغرور والتجاوز، لأن اجتماع أكثرية دول العالم على ذلك يُسهل على الشعوب المُعتدى عليها مهمة المواجهة والدفاع، على أنّ عدم نجاح العالم بالبدء بحملات تأديبية لأميركا، لا يعني أن هذه الحملات لن ترى النور، فالشعوب ستتصدى لهذه المهمة، بينما سيكون من الثابت بهذه الأثناء أنه إذا كانت أميركا بحاجة لحملات تردعها وتُؤدبها، فإن العالم يتساوى معها بالحاجة لتبني الخيارات التأديبية والشروع بها.