السيد ديفيد ساترفيلد, المتطاول الوجه, الذي تجهد كي تستكنه ملامحه من تحت نظارتيه العريضتين وغرّته المدندلة التي لا تحيد عن مفرق في الرأس مضبوط الإيقاع مثل مهمته في لبنان, لم يستطع نسيان البلد بعد أن استدعي ليصبح نائباً لمساعد وزير الخارجية الأمريكي (صارت وزيرة) بعد تحرير الجنوب, فجاء بعد اغتيال الرئيس الحريري, ثم طرأ طارئ جعل السفير الأصيل جيفري فيلتمان يغادر ليقف قرب زوجته, ولكي لا يفرغ لبنان من الرائحة الأمريكية النفّاذة عاد ساتر فيلد ثانية كي يضع لمساته على تطورات الوضع, ومن المطار ركب إحدى السيارات, إياها, مستعيداً أجواء أحبها, ومن داخل الزجاج المعتم بدأ بترتيب مواعيده.
تاريخ لبنان الحديث محشو بالقناصل, يتدخلون بكل شيء, نجوم في السهرات الاجتماعية, وحالياً على الشاشات, وطبعاً سادة في اللقاءات المعتمة, لكن هذه المرّة يبدو التنافس الفرنسي - الأمريكي على أشدّه, وكأن التنسيق محصور بالقرار 1559 ومستلزماته, أما على الأرض فكل سفير ينفخ في قربته.
وما إن حلَّ المندوب السامي الأمريكاني في ربوع الأرز حتى فقع تصريحاً من بكركي يشطب فيه, ديمقراطياً, أكثر من مليون ونصف لبناني, طالباً منهم عدم التدخل في شؤون بلادهم.
هي قحّة مشهودة, ولم يعد بالإمكان لملمة الوقاحة وقلّة الحياء عن طرقات بيروت والمناطق, مما استدعى من بعض الذين ساءهم هذا السفور المتغطرس الى الطلب من السفير, أن يرّوقها ويلبس برقع الديبلوماسية من جديد.
لكن ساتر فيلد لا يزال يتصرف مثل بول بريمر, رغم أن المارينز لا يزالون في عرض البحر, مع العلم أن اسمه كان متداولاً ليحل بدل السفير جون نيغروبونتي في العراق, لكن يبدو أن عرق التمر لا يعجب السفير فقد أُولع بالكبّة النية والكشك بقاورما فاستطاب العيش في لبنان.
لا تصدقوا ذلك فمعدة الرجل ليست (قطّيعة) لهذه الدرجة, لكن معدته السياسية.. يا ساتر.. فيلد.
صحفي لبناني *