وهناك ما يشبه النظرية التي قد تكون نشأت من هذه العبارة التي تقول: إن التاريخ يعيد نفسه؛ رغم أن التاريخ لا يمكن أن يقوم بفعل الإعادة؛ وإنما قد نقوم نحن بذلك؛ إما لارتباط وارتهان بعضنا بالذين يرغبون بإعادة التجربة التاريخية التي فشلت سابقاً في تحقيق غايات محددة؛ أو بسبب توافر المورثات السيئة في بعضنا؛ وبسبب جريان الدم الذي لا يشبه الدم في عروق هذا البعض.
أنطوني أيدن وزير الخارجية البريطاني؛ ثم لاحقاً رئيس الحكومة البريطانية؛ هو صاحب مقولة «يجب علينا أن نبني حضارتنا الجديدة من خلال صناعة عالم متحارب»، وكونداليزا رايس وزيرة الخارجية الأميركية هي صاحبة نظرية «الفوضى الخلاقة» في الشرق الأوسط، وبين رايس وأيدن ما يزيد على نصف قرن؛ أو ما يزيد على ستين سنة حتى.
أيدن هو محرك ومنشىء تحالف الدول المعتدية على مصر «عبد الناصر» 1956، المكون من بريطانيا وفرنسا وإسرائيل، إضافة إلى أميركا وتركيا والعراق والسعودية، والهدف هو تحطيم البيت القومي العربي الذي كانت تمثله مصر «عبد الناصر» في ذلك الحين.
رايس كرأس حربة «المحافظين الجدد» هي من دجَّن الخليج كل الخليج؛ وهي من جعلته ومن معه من دول «الاعتلال العربي» مهيأ للعب أدوار مستجدة لتحطيم البيت القومي العربي الذي تمثله سورية بعد اختطاف مصر واحتلال العراق، ورغم مغادرة رايس السلطة إلا أن المخطط مستمر ويجري تنفيذه بأمانة؛ وفي أميركا هناك دائماً من يسعى لتحقيق الهدف الذي يخدم إسرائيل.
في الخمسينات كانت أجهزة الاستخبارات الأميركية قد تمكنت من جلب عدنان مندريس إلى الحكم في تركيا لتحقيق الانقلاب على علمانية أتاتورك، وكانت اشتغلت لجلب الإخوان في مصر لتحقيق الانقلاب على عبد الناصر، وفيما كانت تضع السعودية في أصغر جيوبها، إلا أنها كانت تعتمد على نوري السعيد في العراق لتمرير كل ما تخطط له.
بين أيدن ورايس، وبين السعيد وحمد قطر، وبين مندريس وأردوغان، وبين العدوان الثلاثي على مصر، والعدوان الكوني على سورية تبدو الصورة واحدة؛ والحدث واحداً، والمخطط واحداً، بينما حصل بعض التغيير الطفيف في دور الأدوات الرخيصة في المنطقة، وحصل التغيير ربما الكبير في أساليب الحرب والعدوان على سورية ومصر، وبقي الهدف في العمق الإقليمي تحطيم البيت القومي العربي، وفي العمق الدولي طبعاً كان الهدف استهداف الاتحاد السوفييتي أمس؛ وروسيا الاتحادية اليوم.
ما أشبه اليوم بالأمس فقد تلقت «حضارة أيدن الجديدة» ضربة قاتلة من خلال صمود مصر «عبد الناصر» المتحالفة مع الاتحاد السوفييتي؛ وسقط حلف المعتدين عليها، وتسقط اليوم مجدداً نظرية رايس «الخلاقة» وما سمِّي «ربيعاً عربياً» من خلال صمود سورية الأسد القومية المقاومة والعربية الأصيلة، ومن خلال وقوف روسيا الصديقة إلى جانب سورية بالحق .. فهل يلقى أردوغان مصير مندريس، وهل ينتظر الحمدان - حتى بعد الإقالة والإبعاد - مصير السعيد .. لسنا نهتم، وما يهمنا أننا نقف اليوم على عتبة إعلان انتصارنا التاريخي الذي سيبقي سورية بيتاً أصيلاً للقومية العربية لا يمكن للأعراب والسلاجقة ومعهم الغرب والصهاينة النيل منه.