معضلة كمنت في دور ووظيفة الثقافة والمثقفين في ما عانته وتعانيه سورية من هم وطني، وبالتأكيد، قبل هذا وذاك استعادة البحث في مفاهيم ومصطلحات الثقافة والمثقف وإعادة تعريف هذه وذاك على طريقة من هو المثقف السوري وما ماهية الثقافة في سورية ؟ كيف كانت وكيف ينبغي أن تكون؟
ليس هذا تشكيكاً في ثقافتنا السورية ولا في مثقفينا في هذه المرحلة، بل هي محاولة لتصويب ما اعتورهما من خلل واعوجاج وعمى ألوان، وبحث ما انحدر بهما إلى مدارك وحلة في ترتيب الأولويات الوطنية على الأقل، حين اندفعت ثلة من مثقفينا وبما هم عليه من مكونات ثقافية وحضور ثقافي، إلى المجازفة بالوطن وتحويله إلى سلعة للرهان والمساومة، بل إلى حد تسليمه إلى الأجنبي بحجة تخليصه، وإلى حد تدميره بحجة إعادة بنائه، وحين سقطت هذه الثلة فجأة أسيرة نزعات ذاتية أنانية ضيقة كانت بالأمس تدعي الترفع عنها، تنتقدها وتنتقد أسراها من الآخرين، وتذهب تماماً إلى وصمهم هم بالاعوجاج وعمى الألوان.
في هذه المرحلة القادمة من النقاش، لا بد من إعادة توصيف المثقف السوري وتأطيره منهجياً في قائمة من الأولويات تمنع عليه السقوط الحر والمدوي في مهاوي الرذيلة غير الوطنية، وتمنع إليه دروب الأسر والذاتية واللعب بتلك الأولويات . لا بد من توصيف الثقافة السورية بالانتماء إلى سورية الوطن أياً كان حاله وأياً كان مآله، أولوية وحيدة يتيمة دون مراتب متدرجة بعدها، ولا بد من صناعة أو تصنيع أو زراعة «غرامشي» السوري، واستنباته في الأرض السورية.
فليس مثقفاً سورياً من استجار بالبداوة الجاهلية والبدائية الإنسانية، ليقنع السوريين بأن الله يضع سره في أسوأ خلقه، ثم ليوهمهم بأنه إنما يسعى إلى صناعة سورية المتحضرة من مواد أولية فاسدة يعرف هو أولاً أنها فاسدة!
وليس مثقفاً سورياً أيضاً من استجار بالحضارة المتقدمة ورموزها وأقطابها، ليقنع السوريين بأن النخر الرأسمالي في جسد هذه الحضارة قد ترمم واندمل فجأة، وبأن مخالب الوحش لا تعود مخالب إن هي تشذبت الحواف وتلونت بالأرجوان، ثم ليوهمنا بأن الوحش إياه يحب لنا ما يحب لنفسه!
ليس مثقفاً سورياً من يمني النفس بالعودة إلى سورية « فاتحاً» على برج دبابة.. أي دبابة, وهو الذي تشدق دهراً بأن للأوراق والقلم سحر المستحيل وقوة السماء، ثم ليقنعنا بأن الغايات تبرر الوسائل، وبأن الرذائل الصغرى يمكن أن تصنع فضائل كبرى على الطريقة القرضاوية !
ليس ثمة ثقافة سورية إن لم تعلّم أبناءها أن دمشق على عكس روما، وأن الطريق الواحد الموصل إليها ينبغي أن يكون سورياً, بترابه وهوائه وراحلته .. وحتى بأحجار عثراته!